الديمقراطيَّة ومزاجيات الحكم

آراء 2023/03/08
...

 علي الخفاجي

 

يعلق الكاتب والفيلسوف وعالم المستقبليات المعروف (جاك فريسكو) على الديمقراطية والحرية بالقول “الديمقراطية لعبة خداعة، إنها كلمة اخترعوها لتهدئة الناس لجعلهم يقبلون مؤسسة معينة لتحكمهم، جميع المؤسسات تتغنى بأننا أحرارٌ، وفي اللحظة التي تسمع فيها كلمة الديمقراطية احترس لأنه إذا كنت في دولة حرة وديمقراطية فعلاً فلا ينبغي لأحد أن يخبرك بأنك حر”، بطبيعة الحال فإن المظاهر الخدّاعة التي زُجت لنا عنوة كشعب عانى ما عانى طيلة السنوات، التي كان فيها الحزب الحاكم يحكم بقبضة من حديد من الصعب أن تطبق عليه مفهوم الديمقراطية دفعة واحدة، وهذا ما نحن عليه اليوم، وبعد مضي عشرين عاماً من تغيير النظام ما زلنا نعيش في دوامة المتاهة وندور في فلك متشظٍ غير مستقر، لا ديمقراطية صحيحة مثبتة عملياً وفي الواقع، ولا نحن في فترة الاضطهاد المظلم المترامي، أشبه بما قاله الفلاسفة “تاهت النقطة في الدائرة وظلت في فلكها حائرة” وهذا هو حالنا اليوم، حيث بات مصطلح الحرية أو الديمقراطية أكثر المصطلحات التي تؤرق عامة الناس، بعد أن كانوا متلهفين لممارستها، حيث كانوا يسمعون بها دون تطبيقها، ولكن بعد أن عُـلبت وجُهزت وأطلقت في العراق ونتيجة لممارستها الخاطئة باتت غير ذي جدوى، حيث أصبحت تطلق في غير مفهومها العام.

تعددت المصطلحات الغريبة التي ابتدعها السياسيون التي قلما تجد لها وجود في معجم المصطلحات السياسية، فمن مصطلح الفسيفساء الاجتماعي إلى الموزائيك السياسي إلى البوتقة إلى الأنصهار والشفافية اليوم يظهر مصطلح الديمقراطية التوافقية على الرغم من وجوده القديم الا إن ظهوره في العراق قبل عدة أعوام بات يزعج طبقة كبيرة ومتعددة من الشعب، حيث إن الديمقراطية بمفهومها العام هو حكم الشعب وهو شكل من أشكال الحكم يشارك فيه جميع المواطنين المؤهلين لذلك على قدم المساواة بالمباشر أو ممن يمثلهم، أما مصطلح الديمقراطية التوافقية فهو بطبيعة الحال قفز على الحرية أو التلاعب بمضمونها، إذا سلمنا بأن هنالك ديمقراطية، حيث تنطلق فكرة الديمقراطية التوافقية من فكرة بناء نظام سياسي، يعتمد على الأثنية والطائفية، الا أنه لا يمثل الشعب ككل، بمعنى أن الديمقراطية المجردة إن صحت تسميتها هي حكم الشعب وليس جزءاً من الشعب على أساس توافقي، سواء كان دينيا أو عشائريا أو مناطقي.

رُبَ سائل يسأل، وما الضير من الديمقراطية التوافقية في مجتمع متعدد التوجهات والأديان والمذاهب كالعراق، نقول لا ضير بذلك، لكن التجارب الدولية أثبتت فشل مثل هكذا نظام يعتمد على البعض لحكم الكل، حيث لا يستند هذا النظام إلى عناصر التنافس في البرامج والستراتيجيات ولا تقديم الخدمة العامة، بمعنى ستكتفي الاقليات بحق النقض والاعتراض على مايهدد مصالحها دون مجيب، لا بد وفي حالة المضي بمثل هكذا نوعية من الديمقراطية أن يقر قانوناً للأحزاب، ووجود رؤية سياسية واضحة للحركات السياسية، لأن ليس كل ما يستورد من الخارج فهو صالح للبلد، حيث إن التعددية في الغرب تختلف عما هو في العراق ففي الغرب مفهوم التعددية هو تعددية سياسية واقتصادية واجتماعية، وبالتالي تعددية في الفكر السياسي، فربما ينجح هذا النظام هنالك وليس هنا.