تداعيات التداول اللا سلمي للسلطة

آراء 2023/03/08
...

 أ.د عامر حسن فياض


عكست مؤلفات أرسطو وأفكاره السياسية حرصاً واضحاً على التمسك بفكرة التداول السلمي للسلطة، وانتقالها اعتماداً على نظامي القرعة والانتخاب منفردين أو مجتمعين. وقد كانت فكرته المبتكرة بشأن تقسيم وظائف السلطة والفصل بينها والمعروفة اليوم بعنوان (نظام الفصل بين السلطات)، تؤكد حرصه هذا فكرة التداول السلمي للسلطة. 

بيد أن تفضيل أرسطو للتداول السلمي للسلطة، لم يمنعه من البحث في الوقائع العملية للتداول اللا سلمي لها، وهو ما انتهى به إلى وضع اسس أول نظرية عن الثورة في تاريخ الفكر السياسي، والتي فسر بها الثورات واسبابها بفرضية اساسية مفادها: (بأن السبب الأساس للثورة، هو الصراع بين الاغنياء/ الاولغارشية والفقراء/ الديمقراطية، وانعدام التناسب والتوازن بين الأدوار الاقتصادية والسياسية لكل طبقة منهما). 

فالاساس العقائدي للنظام الديمقراطي هو تساوي حريات الناس بما يستتبع تساويهم في كل شيء، بينما الأساس العقائدي للنظام الاوليغارشي هو تفاوت مراتب الناس وتفوق بعضهم على بعض بما يستتبع تميز المتفوقين في كل شيء، فهما إذاً نظامان مختلفان كلياً في هذا الجانب، فضلاً عن اختلافهما حول مفهوم العدالة الذي يفترض به ان يكون تجسيداً لخصائص كل منهما. 

فإذا ما نالت أي من هاتين الطبقتين نصيباً من السلطة ومسؤوليات الحكم، لا يتناسب مع أدوارها الاجتماعية الاقتصادية ولا مع معتقداتها الفكرية، عندها تبدأ عوامل الثورة بالتحرك، فعدم التوازن أو غياب الانسجام بين القدرات والأدوار والعقائد هو سبب الثورة في أي دولة ونظام حكم، واعتراف أي مذهب أو نظام سياسي بحقوق الافراد والطبقات، وإعلانه المساواة بينهم نظرياً، من دون تطبيق ذلك عملياً، يتسبب في حدوث اللامساواة في النظم الاوليغارشية الاكثر تعرضاً للثورات من النظم الديمقراطية، لأن احتمالات حدوث الصراع بين الاغنياء اكبر من احتمالات حدوثه بين الفقراء. ولم تستند فكرة المساواة بين الناس عند أرسطو إلى نظرية الحقوق الطبيعية، بل استندت إلى نظريته عن دور الأوضاع الاقتصادية والسياسية للأفراد والطبقات في حدوث الثورات في حال عدم استقرار تلك الاوضاع واختلاف توازناتها، فعدم المساواة عنده نتيجة طبيعية لعدم التوازن بين الأدوار السياسية والاجتماعية من جهة، والأدوار الاقتصادية من جهة ثانية، فهناك مراكز وأدوار سياسية، وذلك في تقدير أرسطو هو السبب في عدم المساواة في عصره، وهو علة حدوث الثورات، التي ترمي إلى تصحيح حالة عدم المساواة وغياب التوازن تلك، وبذلك تتسع حدود الفرضية الارسطية الاولى عن الثورة لتصبح:

 إنَّ الثورة تكون احتمالاً عندما تنفصل المراكز والأدوار السياسية عن القدرات والأدوار الاقتصادية، ويفقد النظام السياسي في الدولة قدرته على تحقيق التوافق والانسجام بينهما، فيفقد معها عدالته وتوازنه واستقراره، ولن يكون بلوغ التوافق والانسجام ممكنا إلا بوجود طبقة وسطى كبيرة عدداً وقدرة ودوراً. 

وقد أثبتت الكثير من الوقائع في عصر أرسطو والعصور اللاحقة صحة هذه الفرضية، إلا أن ملاحظة أرسطو لها لم تساعده على تحديد درجات الفصل بين هذه العناصر أو درجات اندماجها وتوازنها، بما يمكن أن يتسبب في حدوث الثورات أو يمنع حدوثها. 

ويقرر أرسطو في إطار بحثه عن عوامل وقوع الثورات ووسائل الحيلولة دون وقوعها، إن المعرفة بأسباب سقوط الدساتير وعلل انهيارها تعني المعرفة بأسباب وجودها وعلل استمرارها ودوامها، وهو يحدد تلك الأسباب والعلل في: 

- تربية الناشئة على احترام القانون وأفكار النظام السياسي وعقائده.

- تحقيق العدالة في القانون والإدارة لضمان المساواة وبلوغ الاستقرار.

- توزيع الثروة بشكلٍ متوازن، وتخصيص احتياط كافٍ ودائم للدولة.

- تصرّف الحكام العادل والسليم إزاء بعضهم وإزاء المواطنين.

- تحديد المدة الزمنية لتولي الوظائف الرئاسية وعدم جعلها مفتوحة دون قيود.

وبذلك تكون أفكار أرسطو وتحليلاته السياسية، قد اختطت طريقاً جديداً ومميزاً في دراسة الظاهرة السياسية والبحث فيها في نطاق الفكر السياسي الإغريقي القديم وحتى يومنا المعاش.