فرنسا والعودة الأفريقيَّة

قضايا عربية ودولية 2023/03/09
...

علي حسن الفواز



كيف يمكن تفسير زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى دول الغرب الأفريقي؟ وهل يمكن تبريرها في سياق مراجعة التاريخ الفرانكفوني، أو أنها جاءت بحسابات البحث عن حلفاء خارج القارة الأوروبيَّة؟ هذه الأسئلة وغيرها رافقت الزيارة الرئاسية الفرنسية إلى أربع دول أفريقية "الغابون، الكاميرون، الكونغو كينشاسا، الكونغو الديمقراطيَّة" والتي وجدت معارضة شديدة من بعضها، لكنَّ مفارقتها كشفت عن الطبيعة المعقدة لعلاقة فرنسا مع مستعمراتها القديمة، وعلى نحوٍ أراد منه الرئيس ماكرون فتح صفحات سياسية واقتصادية جديدة، والبحث عن طرق لدعم دول الغرب الأفريقي التي تعاني مشكلات بيئية وأمنية وغذائية، وتدخلات تقوم بها القواعد العسكرية الفرنسية في هذه الدول، وهو ما أراد التصريح به ماكرون بالقول: "نريد أن نكون شركاء على المدى الطويل، أفريقيا مسرح للمنافسة، ويجب أن يتم ذلك في إطار عادل، لدينا دور نلعبه، لا أكثر ولا أقل، وأنَّ القواعد العسكرية ستُدار بشكلٍ مشترك مع الدول المضيفة وستتم متابعة المصالح التجارية وغيرها باحترام وتواضع".العودة إلى أفريقيا قد تحمل معها شيئاً من هذه الحسابات، لكنها ليست بعيدة عن البحث عن الأسواق، وعن اتّباع سياسة سريعة وصارمة، تقوم على مواجهة تدخل روسيا والصين في أفريقيا، إذ وجد هذان البلدان في أفريقيا مجالاً للتنافس الأمني، وللاستثمار الاقتصادي، ولفتح أسواق جديدة، ومنها أسواق السلاح، وهذا الدخول يجد في حساسية بعض الدول الأفريقية دافعاً لعزل الواقع الأفريقي الصعب عن الذاكرة الفرانكفونية، ووضع تلك الدول أمام مصالحها، وأمام كل المتغيرات الجيوسياسية والاقتصادية والمناخية التي تحدث في العالم، والتي جعلت من أفريقيا تواجه أسوأ موجات الجفاف والتصحّر، فضلاً عما تعانيه من تضخم ظواهر الصراع الأهلي والأمني، وتصاعد إرهاب الجماعات الأصولية في بعض مناطقها، وعدم جدية فرنسا في مواجهتها.التلويح بتقديم المساعدات الاقتصادية، وفتح الصفحات، وفرض العقوبات على البعض، قد تكون مدخلاً لتحسين الصورة الفرنسية، ولمواجهة تحديات الخلافات المعقدة مع بعض الدول، مثل مالي، وبوكينا فاسو، المغرب، الكونغو الديمقراطية، لكنَّ الواقع يظل يحمل معه مفاجآته وأسئلته التي تحتاج إلى كثيرٍ من الواقعية.