التناقض في الأسباب الموجبة للقانون

آراء 2023/03/11
...

 زهير كاظم عبود 

من بين أهم الاختصاصات التي حددها الدستور للمحكمة الاتحادية العليا في العراق الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة، والفصل في القضايا التي تنشأ عن التطبيق، والفصل في قضية التناقض بين القوانين، كما اكد الدستور العراقي ضمان كامل الحقوق لجميع الأفراد في حرية العقيدة والممارسة الدينية للمسيحيين والايزيديين والصابئة المندائيين، والعراق بلد متعدد القوميات والأديان والمذاهب، لذلك فإن كل قانون يتناقض مع هذه المسلمات الأساسية التي نص عليها الدستور، يعد خرقا للمبادئ الأساسية للحريات التي يتوجب على الدولة أن تكفلها، وألا يكون تقييد ممارسة أي من الحقوق والحريات التي نص عليها الدستور الا بقانون.

والقوانين بالإضافة إلى عدم تناقضها مع نصوص الدستور، فإنها أيضا لا يمكن أن تتناقض مع بعضها، كما لا يمكن أن تكون إلا تعبيرا عن إرادة الشارع.

صدر القانون رقم 3 لسنة 1931 لينظم عملية بيع المشروبات الروحية، وصدرت عدة قرارات تعدل هذا القانون، حتى صدر القانون رقم 3 لسنة 2006 الخاص بإجازة بيع المشروبات الكحولية، واشترطت التعليمات التي تستند إلى القانون في المادة ٣ منها في مقدم الطلب ما يأتي: 

أ – أن يكون عراقي الجنسية.

ب – أن يكون من الطوائف غير المسلمة.

جـ – أن يكون موقفه سليماً من الخدمة العسكرية بالنسبة للذكور.

د – ألا يقل عمره عن ( 21 ) إحدى وعشرين سنة.

هـ – عدم حصوله على اجازة نافذة لمحل مماثل لنفس الغرض. 

وكان قانون واردات البلديات رقم 130 لسنة 1963 قد نص في المادة 2 منه على فرض الرسوم على اليانصيب والمراهنات والسكاير والتبغ والكبريت (الشخاط) والمشروبات الكحولية والمرطبات، وتستوفى من قبل الدوائر المنوط بها ذلك وتدفع حصيلتها إلى البلديات كافة بنسبة عدد نفوسها. وصدرت تعليمات مجلس الوزراء العراقي الأخيرة، حيث تضمنت الفقرة (7) منها: فرض رسم جمركي إضافي بنسبة (200 %) من وحدة قياس منتج (المشروبات الكحولية)، المستورد إلى العراق من الدول والمناشئ كافة، لمدة أربع سنوات بدون تخفيض، ومراقبة السوق المحلية خلال مدة تطبيق الرسوم الجمركية الإضافية.  وصدر القانون الأخير رقم ( 1 ) لسنة 2023 الخاص بواردات البلديات والذي نص في مقدمته على أن القانون صدر لمضي المدة القانونية المنصوص عليها في البند (ثالثا) من المادة (73) من الدستور، والتي تنص على أن يصادق رئيس الجمهورية ويصدر القوانين التي يسنها مجلس النواب، وتعد مصادقا عليها بعد مضي خمسة عشر يوما من تاريخ تسلمها. 

القانون المذكور كرر ما ورد في القانون السابق عدا أنه رفع عبارة (المشروبات الكحولية) من بين الحرف التي تجبى منها الرسوم، وألغى القانون المذكور في المادة (13) منه القانون السابق لإيرادات البلديات رقم 130 لسنة 1963، كما ألغى المواد 2، 3، 4،5 من القانون رقم 175 لسنة 1969 قانون تنظيم الرقابة على الملاهي والمسارح والتعليمات الصادرة لتسهيل أحكامه، ونص القانون أيضا في الفقرة الأولى من المادة (14) منه على حظر استيراد وتصنيع وبيع المشروبات الكحولية بجميع انواعها.

وجاء في الأسباب الموجبة للقانون بناء على مرور زمن طويل على تشريع قانون واردات البلديات رقم ١٣٠ لسنة ١٩٦٣، ولأن الكثير من احكامه لم تعد تلبي الحاجة المطلوبة من تشريعها، ولظهور مهن وحرف واعمال جديدة يتعين شمولها بأحكامه ولان مبالغ الرسوم التي تضمنها القانون لم تعد تواكب قيمة النقد والظروف الاقتصادية في الوقت الحاضر ولكثرة التعديلات التي طرأت عليه. 

إن من بين اهم الأسباب التي تدفع بالمشرع لإصدار قانون ما انه يوضح الأسباب والمعطيات التي دعته لإصدار القانون، والملاحظ في الأسباب الموجبة التي نص عليها القانون أن مبالغ الرسوم، لم تعد تواكب قيمة النقد ولا الظروف الاقتصادية التي يمر بها البلد، ويشعر المطالع أن الدافع الأساس لإصدار مثل هذا القانون محاولة ترصين الرسوم المالية، التي تحصلها الحكومة من المهن والمصالح المنصوص عليها في القانون السابق، بدلا من شطب عدد من المهن دون وجود تبرير أو أسباب موجبة دفينة وخافية على المواطن، ما يتعارض مع اللغة الصريحة والقصد الواضح التي دفعت لإصدار قانون مثير للجدل ومختلف على إصداره، بالإضافة إلى بقاء القانون حبيس الادراج منذ العام 2006 وحتى 20 شباط 2023، وبقاء قانون لم يتم نشره بالجريدة الرسمية مدة سبعة سنوات أمر يثير الريبة والاختلاف. 

وجميعنا نعرف أن عملية استيراد وصنع وبيع المشروبات الكحولية محصورة بأبناء المكونات العراقية من باقي الديانات غير الإسلامية، ويوحي القانون بانه يستهدف هذه الشرائح الاجتماعية دون غيرها. 

لم نجد أي فقرة من فقرات القانون تستثني المرافق السياحية أو فنادق الدرجة الأولى أو الأسواق الحرة في المنافذ الحدودية (المطارات والموانئ)، بالإضافة إلى الخسائر التي ستفقدها الخزينة من شطب الضرائب المفروضة على المشروبات الكحولية سابقا، لا سيما بعد ان رفع مجلس الوزراء نسبتها إلى 200 % ولمدة اربع سنوات، لا سيما أن القانون بالأساس هو قانون يعني بواردات البلديات.

حالة الاستفاقة لقانون بقيَّ غافيا في إدراج رئاسة الجمهورية لا يمكن تفسيره سوى أن القانون لا تتوفر فيه المصلحة، التي تنعكس إيجابيا على المجتمع، وما يثيره من اختلاف وخلاف في وجهات النظر، وعلى المشرّع أن يكون اكثر صراحة والقصد الحقيقي في نص الأسباب الموجبة التي دفعته لشطب مهنة معينة من المهن والمصالح، التي يعتمد عليها ماديا عدد لا يستهان به من أبناء المكونات الدينية الأخرى في العراق، بالإضافة إلى الدائرة القانونية في رئاسة الجمهورية معنية بالتفسير والايضاح حول بقاء القانون غافيا خلال مدة سبعة سنوات، والأسباب الموجبة كما يعرف اغلب اهل القانون تعد جزءاً من القانون. 

الدوافع والنية التي دفعت بالمشرع في مجلس النواب في حينه لم تأخذ بأبعاد شطب مهنة معينة من المهن التي تستهدف جزءا من المجتمع العراقي، وتحرم مئات الأسر التي يمولها العمال وأصحاب المحال من قوت يومهم، وتؤثر بما لا يقبل الشك في الاستقرار الاقتصادي والسياسي.  القانون يهدف إلى تنظيم العلاقات بين الافراد في المجتمع وهو مجموعة القواعد الملزمة بوجود سلطة توقع الجزاء على من يخالف هذه القواعد، فهل يمكن حقا تحقيق إلزام جزء من هذا المجتمع بصدور مثل هذا القانون، خصوصا أن نظام صدام  سبق وأن اصدر مثل هذا القرار خلال ما يسمى بالحملة الايمانية في العام 1994 حيث تم المنع في النوادي والمطاعم والمرافق السياحية، لكن تناول المشروبات الكحولية بقيَّ مستمرا ونشطت معها تجارة المخدرات والتهريب والتصنيع الرديء مازا من خسارة المجتمع بدلا عن تنظيم وإصدار ضوابط لهذا الامر.