شبه العلم

الصفحة الاخيرة 2023/03/11
...

جواد علي كسار



شبه العلم أو العلم الزائف هو ما يقع في مقابل العلم، وما يهمّني من المصطلح فعلاً هو صلته بمجاميع النخبة المتعلّمة على وسائل التواصل دون غيرها، إذ لاحظتُ من خلال تجربة شخصية في المشاركة بهذه المجاميع، أنها كثيراً ما تتحوّل إلى مصدر لبثّ العلم الزائف وإشاعة شبه العلم!

العلم في اللغة هو نقيض الجهل، وينصرف في الاصطلاح إلى معانٍ عديدة أبرزها أنه مجموعة من القضايا العامّة المشتركة في محور واحد، لا فرق في أن تكون هذه القضايا حقيقية أو اعتبارية؛ نظرية أو عملية، شرط أن تكون قابلة للإثبات والاستدلال، ومن ثمّ يُفترض بالعلم أن ينتهي إلى إيجاد اليقين المطابق للواقع لدى الإنسان، مقابل الجهل بشقّيه المنطقيين البسيط والمركّب؛ والسؤال: هل تفي مجموعات النخبة أداء هذه الوظيفة في الواقع الذي نعرفه لوسائل التواصل؟. لا أتحدّث هنا عن وسائل التواصل عامة، إذ ليس من الصحيح إخضاعها إلى معايير المعرفة العلمية، بل تتجه هذه الملاحظة إلى مجاميع من المفروض أنها تتوفر على شروط التكوين العلمي، من حيث المعرفة والاختصاص، والأهداف التي تعلنها لنفسها؛ ليكون السؤال مجدّداً: لماذا ينزلق أغلبها إلى شبه العلم أو العلم الزائف، وتنقلب إلى أداة ضدّ المعرفة بقصد أو دون قصد؟

شبه العلم أو العلم الزائف ليس اكتشافاً جديداً في حياة  الناس، بل اقترنت الظاهرة مع الإنسان في تأريخ علاقته بالتفكير المنهجي الاستدلالي المنظّم على مرّ القرون؛ برغم أن المصطلح لم يتبلور بهذه الصيغة إلا قبل نحو قرنين ونصف فقط. لقد كُتب الكثير عن الظاهرة وغُطّيت بمجموعة واسعة من المقالات والبحوث والكتب بمختلف اللغات، حمل بعضها عنوان: «العلم الزائف» كما هو الحال في كتاب بن جولديكر. لكن المهمّ في ذلك كله هو المعيار الذي به يمكننا أن نميّز بين العلمي والزائف، إذ اختلفت الأقوال والمعايير وتشعّبت؛ منها ما ذهب إليه كارل بوبر في تركيزه على معيار: «قابلية الدحض»، فكلما كانت هذه القابلية أبرز ازداد احتمال إثبات الزيف. الحقيقة، لا تعنيني كثيراً المناقشات المنطقية والعلمية والمنهجية التي تناولت الظاهرة وناقشتها، قدر ما يعنيني الجانب النفسي الذي يملأ كياننا العقلي والنفسي، حينما نشعر ونحن نشارك في مجاميع النخبة التي تدور حولها هذه الملاحظة؛ أننا وقفنا في الظاهرة التي نتناولها على أبعادها جميعاً، وتحوّلنا فيها إلى خبراء، ليس وراء خبرتنا المتميّزة هذه، مجال لكلام آخر، وما نقوله هو فصل الخطاب! هذا الإحساس النفسي بالامتلاء هو زيف يُضاف إلى زيف، يجمع صاحبه بين العلم الزائف، وزيف الإحساس بالامتلاء المعرفي؛ وهذا ما يجعل شبه العلم أشدّ فتكاً من الجهل نفسه!