باريس: أ ف ب
تقف إحدى النساء فوق منصة صغيرة تطفو في الفضاء بينما تقترب منها مجموعة من الوحوش المُحاطة بالنيران وتحاصرها.. في ظل التهديد الناجم عن هذه الكائنات والذي يُنسيها خوذة الواقع الافتراضي التي تضعها، هل ستجرؤ على صدّها عبر توجيه لكمات لها؟
ترمي لعبة الواقع الافتراضي "فايت باك" التي ابتكرتها مخرجة تبدي اهتماماً بمفهوم تمكين المرأة، إلى تعليم النساء كيفية التغلّب على مخاوفهنّ وكل المواضيع المحظورة المرتبطة بالعنف الجسدي.
القتال والتغلّب على الصدمة
عام 2017، توجّهت سيلين تريكار إلى العراق لتنجز فيلماً وثائقياً عن النساء الايزيديات اللواتي تعرّضن للاغتصاب من عناصر داعش. وتوصلت إلى أنّ خيار القتال ساعدهنّ في التغلّب على الصدمة التي تعرّضن لها. ومن هنا أتت فكرة لعبة الواقع الافتراضي التي تهدف إلى تعليم النساء التقنيات الأساسيَّة للدفاع عن النفس. وتقول المخرجة البالغة 36 عاماً، إنّ "بعض هؤلاء الإيزيديات قررن فور تحريرهنّ، الانخراط في صفوف الجيش العراقي ومحاربة دعش".
وتضيف تريكار التي بدأت في سن مبكرة ممارسة الفنون القتالية، "أمضيت أسبوعاً كاملاً معهنّ على الخطوط القتالية، وكان للقائهنّ الفضل في تبديل أفكاري ووجهات نظري، وبات من هواجسي إنجاز مشروع يتناول النساء المقاتلات".
وفي اللعبة، يُسمع صوت يطلق توجيهات للاعبات لأنّ اللعبة المخصصة لهنّ تهدف إلى تشجيعهنّ وتعليمهنّ حركاتٍ معيّنة، تتمثل في لكمات موجهة يميناً ويساراً لمهاجمة المخلوقات، أو تثبيت اليدين على الصدر لحماية أنفسهنّ منها.
وليس في اللعبة خسارة أو موت افتراضي للشخصية، بل نصائح إيجابية تُعطى للاعبات.
"ذاكرة عضلية"
في نهاية اللعبة، تجسّد شخصيات ذهبية مقاتلات من الماضي والحاضر يروين قصصهنّ، على غرار نساء افريقيات مسنّات يحترفن الكاراتيه وكنّ يمارسن فنون الدفاع القتالية لصد من يحاول اغتصابهنّ.
وتقول ماري بلونديو، وهي مساعدة تريكار: إنّ "الواقع الافتراضي يمكن أن يعزز الذاكرة العضلية، ما يؤدي إلى تجاوز الأوامر بعدم المقاومة جسدياً"، مضيفةً "نرغب في أن نجعل النساء يعرفن المزيد عن الدفاع عن النفس، ويتعلّمن كيف يرفضن".
وتتابع إنّ اللعبة لا ترمي إلى "تخفيف التوتر بل إلى جعل النساء يشعرن بأنهنّ أقوياء".
وتسعى تريكار إلى جعل اللعبة مُتاحة لدى جمعيات حماية المرأة ، لإعادة توجيه النساء نحو مدارس فعلية لتعليم فنون الدفاع عن النفس.
وتستهدف هذه اللعبة التي تتزايد صعوبة الهجمات فيها، المبتدئات أكثر من اللاعبات المتمرسات. وتستند إلى تقنية جديدة لاستشعار الأيادي تشبه في اللعبة القفازات الذهبية. ووفرت الممثلات أديل إنيل وكاميليا جوردانا وأيسا مايغا أصواتهنّ للعبة.
وعلى هامش مهرجان البندقية السينمائي، أجهشت بعض النساء الـ150 اللواتي جرّبن اللعبة ووجّهن لكمات في الأجواء بالبكاء تأثّراً بأنّهن نجحن في القتال وكونهنّ يتمتّعن بالقوة في داخلهنّ. وتقول مصصمات اللعبة إنّ بعض هؤلاء النساء كنّ يصرخن من الألم.
ولعبة "فايت باك" المُتاحة بثلاث لغات، والتي شاركت في إنتاجها مجموعة "فرانس تلفزيون" الرسمية ولاقت دعماً من المركز الوطني للسينما، ستكون مُتاحة مجاناً عبر تطبيق "أب لاب" التابع لشركة "ميتا" اعتباراً من الأسبوع الحالي.