الاتفاق السعودي الإيراني فاجأ إسرائيل وزعزع وضع نتانياهو

قضايا عربية ودولية 2023/03/12
...

 باتريك كنغزلي

 ترجمة: أنيس الصفار    

على مدى السنوات كان الزعماء الإسرائيليون يعتبرون إيران تهديداً وجودياً بينما ينظرون إلى المملكة العربية السعودية على أنها شريك مستقبلي محتمل، وكانوا يبنون الآمال على أن يسهم الخوف المشترك من طهران بقيام علاقات رسمية بينهم وبين الرياض ذات يوم. 

لذلك قوبلت أنباء إصلاح العلاقات بين إيران والسعودية يوم الجمعة الماضي في إسرائيل بالدهشة والقلق ومحاولة استيعاب ما حدث وسبر أغواره. أدى الأمر أيضاً إلى مفاقمة الشعور بالتهديد القومي جراء الانقسامات الداخلية العميقة حول سياسات الحكومة بقيادة رئيس الوزراء “بنيامين نتانياهو”. بل يبدو أن نتانياهو نفسه، الذي كان يطرح نفسه منذ وقت طويل بصورة الزعيم الإسرائيلي الأفضل تأهيلاً من سواه لمنازلة إيران والأكثر قدرة على استمالة المملكة السعودية، قد دهمه النبأ على حين غرة.

                      

قوض هذا الإعلان آمال إسرائيل بقرب تشكيل تحالف أمني إقليمي ضد إيران، لأنه يفصح عن أن الدول الأخرى في منطقة الشرق الأوسط، برغم كونها ترى في إيران تهديداً، لا ترى بالمقابل مكاسب تذكر في المساهمة بمساعي عزل طهران والمواجهة معها مثلما تفعل إسرائيل. تعتبر إسرائيل برنامج التسلح النووي الإيراني خطراً على بقائها، بيد أن القرار السعودي جاء بمثابة تذكير لها أيضاً بأن جيران إيران في منطقة الخليج ينظرون إلى طهران بأنها جار صعب المراس ولكن التعامل معه ممكن. 

أثار إدراك هذه الجملة من الأمور أيضاً شرارة بحث عن الذات في الأعماق بخصوص أزمة إسرائيل الداخلية. فالإسرائيليون اليوم يستغرقهم ويشق صفهم مقترح حكومي مثير للجدل يتعلق بتعزيز سيطرة الحكومة على القضاء. بالنسبة للسياسيين، في الحكومة والمعارضة معاً، كشفت الأنباء الأخيرة كيف يمكن أن تهدد الاضطرابات الداخلية بتشتيت التركيز بعيداً عن أسباب قلق أكثر إلحاحاً، مثل التهديد الإيراني.

الأنباء الأخيرة ألحقت الضرر بنتانياهو على نحو خاص. فعلى مدى السنوات كان الهدفان الرئيسان لنتانياهو في مجال السياسة الخارجية هما عزل إيران وتطبيع العلاقات مع السعودية، التي لم تعترف بإسرائيل قط. لكن القرار السعودي أمد خصوم نتانياهو بفرصة سانحة لإظهاره بمظهر الضعف في ميدان السياسة الخارجية، برغم أن المحللين يتفقون على أن توقيت القرار لا علاقة له بنتانياهو الذي لم يعد إلى المنصب إلا في شهر كانون الأول الماضي.

قال زعيم المعارضة “يائير لابيد” في منشور له على مواقع التواصل: “الاتفاقية بين السعودية وإيران إخفاق كامل وخطير لسياسة الحكومة الإسرائيلية الخارجية، وهذا هو ما يحدث حين تنصرف كلياً للتعامل مع الجنون القضائي بدلاً من القيام بعملك المناط بك.”

أما نتانياهو، الموجود حالياً في إيطاليا، فلم يصدر منه على الفور تصريح رسمي بهذا الشأن، كما تجاهل مكتبه الاتصالات التي انهالت طلباً لتعليق، بيد أن تقارير الأخبار الإسرائيلية نقلت عن مسؤول إسرائيلي كبير لم يكشف عن اسمه أن إدارة لابيد التي تركت المنصب في شهر كانون الأول هي الملامة على ذوبان الجليد بين الإيرانيين والسعوديين.

بعيداً عن صخب الخطابات السياسية يقول خبراء إسرائيليون ملمون بشؤون إيران ومنطقة الخليج، إن الأنباء ليست كارثية بالكامل على المصالح الإسرائيلية، كما أنها لم تكن خارج التوقعات بالمرة، لأن من المعروف منذ وقت طويل أن هناك مفاوضات تجري بين الرياض وطهران.

لم تكن للمملكة السعودية علاقات رسمية مع إسرائيل مطلقاً بسبب التحفظات السعودية إزاء الاعتراف بإسرائيل ما لم يكن هناك أولاً حل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

في العام 2020 طبّعت إسرائيل العلاقات مع ثلاث دول عربية أخرى هي البحرين والمغرب ودولة الإمارات العربية المتحدة إذ بدا أن حسابات قادة تلك الدول قد خلصت إلى أن الفوائد الاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية التي ستتحقق من إقامة علاقة مع إسرائيل ترجح على أهمية التضامن مع الفلسطينيين.

برغم ما يوحي به إعلان يوم الجمعة من عدم تلهف الرياض لأن تحذو حذو هذه الدول يواصل المسؤولون السعوديون إجراء مشاورات هادئة مع نظرائهم الأميركيين بشأن شروطهم للتطبيع مع إسرائيل في وقت ما من المستقبل.

قيام علاقات سعودية مع إيران وإسرائيل في آن واحد ليس شأناً حصرياً أو استثنائياً، كما تقول “سيما شاين” الخبيرة في الشأن الإيراني والمسؤولة الكبيرة السابقة في جهاز الموساد. فدولة الإمارات قد أعادت هي الأخرى وصل العلاقات الرسمية مع إيران في العام الماضي برغم مضيها في تعميق علاقاتها العسكرية والتجارية مع إسرائيل في الوقت ذاته. كذلك تبقى إيران مصدر تهديد للسعودية برغم عودة العلاقات بين الدولتين ومن الجائز أن الرياض ترى في توثيق الشراكة مع إسرائيل، لاسيما في الجانبين العسكري والأمني السبراني، وسيلة إضافية لثلم حدة ذلك التهديد.

تقول شاين: “لا أعتقد بأن الأمر سيئ إلى هذه الدرجة بالنسبة لإسرائيل. بل إنه قد يحسن على نحو ما إمكانية قيام شكل من أشكال التطبيع بين إسرائيل والسعودية.”

لكن إعادة صياغة العلاقات السعودية الإيرانية من وجهة نظر محللين إسرائيليين آخرين يمكن أن تحول دون قيام علاقة سعودية إسرائيلية رسمية الطابع أكثر وضوحاً، حتى لو كان الأمر سيؤدي في الواقع إلى التعجيل بتلك العلاقات في السر.

يقول “يوئيل غوزانسكي” الخبير بشؤون الخليج في معهد دراسات الأمن القومي، وهي مجموعة بحثية إسرائيلية: “سوف تبقى إيران والسعودية خصمين متنافسين، كما ستواصل السعودية وإسرائيل تعاونهما النشط ضد إيران، ولكن الجوانب الأكثر علنية للتطبيع مع إسرائيل هي التي ستكون أكثر تأثراً.”

إلا أن القرار السعودي من الناحية الرمزية سدد ضربة إلى إسرائيل لا يمكن إنكارها، على حد تعبير غوزانسكي الذي سبق له أن تعامل مع الشأن الإيراني يوم كان مسؤولاً كبيراً في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي. يمضي غوزانسكي قائلاً: “يبعث القرار رسالة مفادها أن إسرائيل باتت وحيدة في المنطقة بمواجهة إيران، وأن دول الخليج قد أخذت بالتحرك قرباً من إيران.”

حقيقة أن يحدث هذا في عهد نتانياهو جعله عرضة للانتقادات كما قوض سمعته في التمكن من إحلال الاستقرار وبراعته في إدارة السياسة الخارجية وهو الذي كان على مدى السنوات يطرح نفسه كأفضل السياسيين قدرة على حماية إسرائيل من تهديدات إيران وبرنامجها النووي.

في الأشهر الأخيرة أيضاً كان نتانياهو يشير مراراً وتكراراً إلى أنه قد يشرف على تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية، وقبل ساعات فقط من إعلان يوم الجمعة كان يتحدث في إيطاليا عن احتمال مد خط للسكك الحديدية بين إسرائيل والسعودية. ولم يفوت خصومه هذه الفرصة النادرة للنيل من قدراته في مجال السياسة الخارجية. 

في أحاديثهم الخاصة يقول المحللون والسياسيون من مختلف الانتماءات إن الأخبار تؤكد مدى حاجة الإسرائيليين إلى السرعة في حل أزمة مستقبل القضاء الإسرائيلي كي يتفرغوا للتركيز على أسباب قلق أشدّ إلحاحاً مثل إيران.

كتب “تامير هايمان”، المدير السابق لجهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، يقول إن محاربة إيران شأن معقد يتطلب قوة التركيز والانتباه، ولكن هذا التركيز والانتباه منعطفان حالياً إلى الداخل مع الاسف.”

منذ مطلع كانون الثاني الماضي انجر الإسرائيليون إلى نزاع مرير حول خطط الحكومة للحد من نفوذ المحكمة العليا وتوسيع السيطرة الحكومية على تحديد من الذي يصبح قاضياً. استنفد هذا الجدل طاقات الحكومة ومنتقديها معاً وشرع الأبواب أمام اندلاع احتجاجات أسبوعية ضخمة، وتململ في صفوف العسكريين وبدايات هروب رؤوس الأموال، كما أدى إلى توتر العلاقات بين إسرائيل وواشنطن وكذلك مع اليهود الأميركيين.

دفعت الأنباء الواردة من السعودية حتى مؤيدي نتانياهو إلى المناداة بتغيير في الأولويات. فقد قال “يولي إيدلشتاين” وهو مشرع بارز من حزب نتانياهو: “العالم لن يتوقف إبان انشغالنا هنا بصراعات السلطة والتصادم مع بعضنا. لقد آن أوان الجلوس معاً والتحدث لحل خلافاتنا من أجل توحيد صفوفنا بوجه الخطر الوجودي المحدق بنا.”



عن صحيفة “نيويورك تايمز”