صلح بكين

الصفحة الاخيرة 2023/03/13
...

عبد الهادي مهودر 




لا يولد الخبر الصحفي فجأة لكن أخبار هذا العصر أسرع في الإعداد والنشر من أخبار الزمن الماضي التي كانت تدخل مطابخ الأخبار وتتلاقفها أيادي الطهاة ويضع عليها كل محترف لمسته حتى تنضج وتحصل على إجازة النشر ثم تطبع في الصحيفة الورقية، غير أن أخبار اليوم سريعة الاحتراق ولا تحتمل التأجيل إلى اليوم التالي، ولهذا لا تشاهد مواطناً واحداً يشتري الجريدة ليتعرف على آخر الأخبار ولا بائع صحف يربح من هذه المهنة التي اختفت من إشارات المرور، فهناك القنوات الفضائية ومواقع التواصل الاجتماعي التي تنشر حتى المخاطبات والكتب السرية والشخصية التي تفتح بالذات، ونحن الذين نتابع نشرات الأخبار نفاجأ بين الحين والآخر بخبر عاجل هو بالنسبة لصنّاعه نهاية مشوار طويل من التحضيرات والوساطات والمشاورات السرية قبل أن ينضج ويعلن للرأي العام، لكنه يبقى خبراً عاجلاً بالنسبة لعموم الناس التي لا تعلم بما يحدث وراء الأبواب المغلقة وتتوهم كثيراً بأن الحرب على الحافة، فإذا بالقوم يتفقون على فتح صفحة جديدة والحمد لله، كما أنه خبر صادم بالنسبة للمندفعين لهذا الطرف أو ذاك الأكثر حنبلية من الحنابلة أنفسهم، والعاجل الكبير الذي ظهر باللون الأحمر قبل أيام وبعثر أوراق المحللين هو خبر استئناف العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران بعد قطيعة دبلوماسية وتقاطع طولي وعرضي كانت وما زالت شعوب المنطقة ميدانه الكبير، من الشامِ لبغدانِ ومن نجدٍ إلى يمنٍ إلى مصر وتطوانِ، وكما في كل مرة نكتشف متأخرين أن السياسة والسياسي ليس لهما صديق دائم ولا عدو دائم، ولكن الدول تتحرى مصالحها وتناور بعامل الزمن وترفع سقف المطالب والضغوط إلى الدرجة القصوى لتحصل على أعلى قدر من المكاسب بأقل الخسائر، بينما المشجعون يقرعون طبول الحرب على المدرجات ويشحذون الهمم والسيوف والألسنة ويحملون على ظهور الإبل دنان الخمر استعداداً للحرب الضروس، مثل أي مشجع كروي يشقى ويبح صوته ليثري النجمان العالميان (ميسي ورونالدو) ويحصلان على الكرات الذهبية وأغلى العقود في تاريخ اللعبة، ويتعاطف مع أخبار تهربهما الضريبي باعتباره الأعرف بمصلحة اللاعبين من نفسيهما، أو ذاك المشجع الشبيه باللاعب (سواريز) الذي شد الرحال إلى أسبانيا بقلبٍ عراقي حنون لمواجهة شبيهه الذي لم يعره أهمية لحظة اللقاء العابر وعاد بخفي حنين يلعن اللحظة التي حلم فيها بأن اللاعب سيصاب بالصدمة ويحتضنه ويجهش بالبكاء ويهديه قميصه الثمين في أقل تقدير ويصبح (ترند) من هول الصدمة التي كانت حصة ابن الرافدين، أما الأكثر إثارة في عاجل استئناف العلاقات بين البلدين المسلمين فهو الوسيط صاحب المساعي الحميدة، فكل الدعوات المتعلقة بإصلاح ذات البين كانت تنطلق من المنظمات والدول الإسلامية إذا كانت بين المسلمين إلا صلح بكين فقد كانت ماركته المسجلة (صنع في الصين) والصلح خير ولو كان في الصين.