شيماء عماد زبير
يجتمع صديقان فوق تلة مرتفع يكسوها الثلج والصقيع يلف المكان ، يطلب من صديقته ان تشاركه الزحافة الصغيرة ،ترفض بشدة .. يتوسل وهي ترفض وأخيرا ترضخ لهذه المخاطرة، تطير الزحافة كالرصاصة ويشق الهواء وجهيهما فيلفحهما ويعول ويصفر في آذانهم ويعربد وكاد ان ينتزع الرؤوس من فوق الاكتاف . ومن شدة الريح لم يعودا يقويان على التنفس ، وسط كل هذا الصخب المرعب المتسارع وهو يطوقها بذراعيه يقترب منها مقاوما الريح فيقول بصوت خافت (أحبك يا ناديا!).تقل سرعة الزحافة شيئا فشيئا ويهدأ كل شيء ويصلان بسلامة الى آخر المخاطرة فتحاول الوقوف بجسدها المترنح رعباً ولكنها ترمقه بنظرات متسائلة :أهو من قال تلك الكلمات ام خُيل لها ؟! وهو يدرك انها سمعت ولكنه لا يبدي اي تأكيد او اهتمام ؟! زارعا الوهم والظّـنٓ فيها.. فيدفعها للطلب منه رغم الخوف والرعب الذي عانته ان تكرر التجربة ؟! فيلبي رغبتها وتعاني نفس الخوف والرعب وتسمع نفس الكلمة ( احبك يا ناديا) وتصل الى نهاية التل وهي شاحبة مرتجفة ويهدأ كل شيء وتمعن النظر في ملامحه فتجدها لا مبالية فترغب بالبكاء لانها للمرة الثانية لم تتأكد هل سمعت ام توهمت فتقرر ان تكرر المحاولة مرة ثالثة وعاشرة وفي كل مرة تسمع نفس العبارة وعندما تنتهي المخاطرة ينتهي كل شيء ولم تعد متأكدة من شيء . وسرعان ما تتعود( ناديا) هذه الجملة رغم انها ظلت تخاف الهبوط من التل ولكن الخوف والخطر أصبحا يضفيان سحرا خاصا على كلمات الحب . يوما بعد يوم بدأت تكرر التجربة منفردة وهو يراقبها عن بعد ولا يعلم هل تسمع (ناديا) تلك الكلمات وتخدع نفسها ام لا تسمعها ؟ يبدو ان الامر سيان لها ،المهم انه ادرك انها تواجه الخوف بالامل وتسمع ما يجعلها قوية وتنتصر على مخاوفها . يأتي الربيع وتصبح الشمس اكثر رقة ويذوب الجليد ويتحول لون التل من الأبيض للأخضر ولا يعود ( لناديا) مكان تسمع فيه تلك الكلمات وذات غسق يمر بجوار بيتها.. فيلمحها وهي تقف على دٓرج المدخل وتتطلع بوجهها الى السماء بنظرة حزينة ملتاعة ، وهو يسرق النظر اليها.. ينتظر الرياح.. فيقول (احبك ياناديا) فتعجب لما حدث؟! كيف تغيرت الأحوال بالفتاة؟! وأصبحت متهللة وسعيدة وفي غاية الجمال .. بعدها غادر الى الأبد لبلدة اخرى وكانت أخبارها تأتيه متقطعة، يقال انها تزوجت وأم لثلاثة اولاد، ولكنه متأكد انها صنعت من تلك الأيام اسعد ذكريات حياتها،أما هو بعد هذا العمر الطويل لتلك المغامرة فهو لايفهم لماذا قال تلك الكلمات ؟! (هذا مختصر لقصه تشيخوف الرائعة “ مزحة” ) . ما أود قوله ببساطة اننا قد نحتاج لتجاهل الحقائق التي قد ترتقي في بعض الأمور لليقين وخصوصا تلك التي فيها خيبة كبيرة وانكسار أكبر وتقتل الأمل، فكم من مريض تجاهل يقين العلم في مرضه وانتصر بعد ان اقنع نفسه بوهم ..كم زوجة اليوم توقن بان زوجها لايكترث لأمرها ولايتمسك ولا تعترف بانه يحب غيرها وتستمر معه ، إذن عدم تتبع الحقائق للنهاية فيه فضل لا بأس به في بعض الاحيان. ليس الوهم سيئ دائما ،يمكن استخدام نسبة منه غير مضرة لدفع ضرر كبير ولا تنسوا في علم الميكانيك لا تلف البراغي الى اخرها وتترك مسافة للتمدد وعوامل الجو والزمن لأي آلة .. فلنتبع النظرية الميكانيكية مع الحقائق لنزرع الأمل ولا داعي( للف البرغي) لآخره .