عندما انتحر عبيد إغبو جماعيا

بانوراما 2019/04/13
...

بريجيت بواكي
ترجمة: بهاء سلمان
كما يعلم الكثير منا، فإن قصص مقاومة العبيد لمستعبديهم ترتبط بسفك الدماء والعنف والتدمير؛ لكن هذا لا يعني عدم وجود طرق أخرى للمقاومة، فهناك سلوكيات أخرى
 تستحق الذكر.
لنأخذ قصة ’وصول قوم الإغبو‘، والذي صار بمثابة موقع تأريخي في منطقة خليج دنبر ضمن جزيرة سانت سيمون التابعة لولاية جورجيا الأميركية؛ فهو موقع لأحد أكبر حوادث الانتحار الجماعية للمستعبدين عبر التأريخ. ويقول المؤرخون إن عبيد الإغبو القادمين مما تعرف حاليا بدولة نيجيريا قد وصلوا الى منطقة سافانا بولاية جورجيا بواسطة سفينة العبيد “واندرير” سنة 1803، حيث كان العبد الواحد منهم يشترى بمبلغ مئة دولار من قبل تاجري العبيد “جون كوبر” و”توماس سبالدنغ”. وكان العبيد المقيّدون بالأصفاد يجري حشرهم تحت ظهر الباخرة الساحلية “يورك”، والتي كانت تعد لنقلهم الى سانت سيمون، حيث يتم بعدها إعادة بيعهم. تقول القصة أنه خلال تلك الرحلة، ثار نحو 75 عبدا؛ معلنين تمردهم، ليغرقوا طاقم السفينة ويتسببوا بهبوطها الى قاع خليج دنبر. وكان الإغبو معروفين من قبل المزارعين ومالكي العبيد في الجنوب الأميركي كونهم مستقلين بشكل شديد الوطأة ومقاومين للعبودية. وبحسب البروفيسور “تيري سيندر”: “عانت رحلة العبيد المشحونين تحت قبو السفينة الكثير من سوء الإدارة، فنهض العبيد من زنازنهم داخل الباخرة الصغيرة، وثاروا ضد الطاقم، ملقين بهم الى مياه البحر ليغرقوا هناك. وبانقيادهم لتوجيهات كبيرهم، سار الأفارقة بعد ذلك الى الساحل، وهم يغنون؛ وبأمر من قائدهم، مشوا الى المياه السبخة لخليج دنبر، ثم أقدموا على
 الانتحار الجماعي.
حقيقة الحادث
كان “روزويل كينغ” المشرف الأبيض البشرة على مزرعة مجاورة تدعى بيرس بتلر، هو أول من شاهد وسجل الحادثة، وقام هو وشخص آخر، إسمه الكابتن بيترسون، بانتشال 13 جثة. وبقي الآخرون مفقودين، ويعتقد بنجاة البعض من سلسلة الانتحار. وظلت قصة الحادثة تلقى الشكوك والغموض على مدى عشرات من السنين اللاحقة، فألقى بعض المؤرخين شكوكا على أصل الحادثة، مشيرين إلى أن كامل القصة عبارة عن تراث شعبي أكثر من كونها حقيقة واقعة؛ لكن بحثا جرى بعد العام 1980 أكد صحة روايات روزويل والآخرين، إذ استخدمت “وسائل علمية حديثة لاعادة ترتيب الحلقات وتثبيت الأسس الواقعية للروايات الشفوية المتداولة 
منذ زمن طويل.” وتم تحديد أرض مقدسة من قبل مجتمع الأفارقة الأميركان وخاصة سكان منطقة سانت سيمون خلال أيلول 2012، كما إن حادثة ’وصول قوم الإغبو‘ هي حاليا جزء من المناهج الدراسية لمدارس جورجيا الساحلية.
 واتخذت الحادثة لنفسها أهمية رمزية كبرى في التراث الشعبي للأفارقة الأميركان المحليين؛ كما أطلق على حالة التمرّد وما تلاها من انتحار من قوم الإغبو اسم مسيرة الحرية الأولى في تأريخ الولايات المتحدة، ويزعم السكان المحليون أن سواحل ومستنقعات خليج دنبر تسكنها أرواح موتى عبيد
 الإغبو.
 
أساطير متعددة
وهناك أساطير حول “الأفارقة الذين مشوا عبر المياه”، تقول: “هل سمعتم بوصول قوم الإغبو؟ إنه المكان الذي أحضروا فيه سفينة العبيد، وعندما وصلوا الى هنا، لم يعجبهم الحال، ثم بدأ جميع العبيد بالغناء وساروا نزولا باتجاه النهر عائدين الى أفريقيا، لكنهم لم يستطيعوا الوصول الى هناك، فغرقوا 
جميعا.” هكذا قال “فلويد وايت”، رجل أفريقي أميركي، لأحد الصحفيين إبان ثلاثينيات القرن الماضي. وهناك أيضا “أسطورة الأفارقة الطائرين”، حيث يشير الناس لطيران الإغبو الى
 أفريقيا.
 ويقول “والاس كوارترمان” أفريقي أميركي ولد سنة 1844 والتقته الصحافة خلال ثلاثينيات القرن الماضي حول وصول قوم الإغبو: “ألم تسمع عنهم؟ حسنا، في ذلك الحين كان السيد “بلو” مشرفا، وذهب ذات يوم حاملا سوطا طويلا ليجلدهم.. على أية حال، جلدهم “بلو” لكنهم تجّمعوا وثبتوا ذلك المعْول في الحقل، ومن ثم ارتفعوا الى السماء وأحالوا أنفسهم الى صقور وطاروا مباشرة عائدين الى أفريقيا ... الكل يعلم بقصتهم.” قصة المقاومة هذه تحمل قوة بالغة لدرجة الاشارة اليها غالبا على صفحات الأدب الأفريقي الأميركي. ويرويها الكاتب “أليكس هالي” في كتابه المليء بالانتقادات “جذور”؛ وكانت أساس الترشيح لنيل الروائية “توني موريسون” جائزة نوبل عن روايتها الموسومة “أغنية السلمون”. كما إهتم الفنانون المختصون بالصور بقوم الإغبو الذين تحمّلوا هذه الحادثة، فقد رسم الفنان الجامايكي “دونوفان نيلسون” صورا توضيحية تبجّل الحادثة، وهي معروضة لدى متحف
 فالنتاين للفن. وصوّر الفنانون المعاصرون أيضا، أمثال بيونس، ورفعوا مقام حادثة وصول قوم إغبو في أعمالهم. 
كما أشار الفيلم الأميركي المنتج سنة 2018 “النمر الأسود”، الى تلك الحادثة من قبل الممثل “مايكل جوردان” الذي أدى دور “كيلمونغر”، حيث يقول: “إدفني في المحيط مع أسلافي الذين قفزوا من السفن، لأنهم عرفوا أن الموت أفضل من حياة الرقيق.”
 
موقع فيس أفريكا الأميركي