الذوق العام بين الفني واليومي

آراء 2023/03/14
...

 كاظم لفتة جبر 


يعبر مفهوم الذوق العام عن التفاعل والتواصل من خلال سلوك أو فعل أخلاقي.

كما يعبر عن العموم والكلية لجماعة معينة، سواء كانت هذه الجماعة اجتماعية ترفدها العادات والتقاليد والأعراف القبلية، أو الدين، أو المستوى الاقتصادي، أو جمهور النظام السياسي.

أو مجتمع فني ترفده الذائقة الفنية للأفراد من خلال تحديد رغباتهم الجمالية، ويصدق مفهوم الذوق العام في التحديد لمجموع الأفراد الذين يتصفون بصفات متشابه سواء في طريقة العيش اليومي، أو التعامل مع الآخرين، أو التذوق الفني والجمالي، وغيرها من الطرق التي تحدد مصير حياتهم، لذلك يعد الذوق العام الرابط بين الفرد والجماعة وفق الحاجة.

كما يرتبط مفهوم الذوق بالفن والحياة اليومية بعلاقة وثيقة، لكون بيئة الجمهور هي التي تحدد فاعلية هذا المفهوم ومساره. 

ففي الحياة اليومية يتمظهر الذوق العام من خلال الفعل الأخلاقي في التواصل مع الآخر، والتفاعل مع القضايا الإنسانية، أما في الفن فيظهر من خلال ذائقة الجمهور العام.، وبما إن الذوق العام يكون نتيجة البيئة والنظام الذي يكوّن المجتمع، لذلك تجد الفنان يعبر من خلال ما يبدعه عن قضايا المجتمع وتطلعاتهم ورغباتهم، فالذوق العام للنظام الاجتماعي يكون مقيّدا بسلطة العادات والتقاليد الاجتماعية، والثقافية، والدينية، والسياسية، أما ذوق الجمهور العام في الفن يكون غير مقيد،لأن التذوق الفني شعور ذاتي وحالة نفسية تخص الفرد.

لذلك تجد الجمهور العام يلتجئ إلى الفن، للتعبير عن رغباتهم المكبوتة وسط المجتمع، فما كان محرما أو غير مقبول في بيئة المجتمع، تجده مقبولاً في الفن.

ولهذا تجد الفن الذي يستهوي الجمهور العام، يتناول مقيدات الذوق العام، والذي لا يستطيع الجمهور البوح عنها، بشكل هزلي وساخر، أو ناقد لطقوس دينية،أو شخصيات سياسية واجتماعية، أو عبارات سوقية وجنسية، لذلك جعل (أرسطو) من الفن مطهراً ومتنفسا للأفراد لتفريق رغباتهم، وأكد ذلك الفيلسوف وعالم النفسي (فرويد) إذ رأى أن الإبداع الفني قائمٌ على توفير الرغبات غير المتحققة للفنان والأفراد، لذلك يسعى الفن بمهتمه الجمالية أن يصلح الذوق العام للمجتمع ويرتقي به، من خلال عرض الجانب السلبي والقبيح والشرير من الإنسان بشكل كوميدي أو تراجيدي، فمهمة الفن هي الانتقال من الواقع المرير والمحكوم بسلطة الذوق العام، إلى الذوق المثالي الحر الذي يوفر للإنسان إشباع ملذاته، وهذا ما بينه الفيلسوف الوجودي (سارتر) بأن الجحيم هو الآخر، إذ كان الالتزام بالذوق العام واجبا على الفرد، لذلك التجأ الوجوديون إلى اقتراع عالم خيالي موازٍ لعالمنا من خلال الآدب.

وبما أن المتذوقين للفن نوعان: «النخبة الأكاديمية والفنانين»، و» الجمهور العام «، لذلك مهمة الأرتقى بالذوق ككل تقع على عاتق النخبة من خبراء الفن والمفكرين الجماليين.