الإخفاق المستمر في إدارة الموارد

آراء 2023/03/14
...




  رزاق عداي 


 دائما يجري الحديث عن كثرة الموارد الطبيعية التي تتمتع بها البيئة العراقية، في تنوعها، واختلاف مصادر قوتها الاقتصادية، وهذه حقيقة لا جدال عليها، ودارسو الموارد الطبيعية للبلدان، والمهتمون بالاقتصاد والثروة لا يختلفون في 

هذه الحقيقة، المحليون منهم والاجانب، ولكن السؤال الذي ظل ملحاً: هو هل تم استثمار هذه الميز النسبية لتحقيق تنمية وتحديث وبناء بالشكل المطلوب؟، طبيعي الجواب هو كلا، لمجموعة عوامل، تاريخية وراهنة، وكان ينبغي ان لا تكون هذه العوامل والمسوغات حاضرة لتبرير الاستمرار بالأخطاء الستراتيجية لتعطيل المباشرة في نهوض البلد، وبقناعات شتى من بعض الساسة، كالقول إن العراق ثري بما يملك من مواد هائلة، وستكون رصيدا مستقبليا وفيرا، مثلما كان هذا التصور قائما في النظام السابق بذريعة أن آخر برميل للنفط سيكون عراقياً، وهو فهم ساذج لحركة التاريخ والصيرورة ويؤدي بالضرورة إلى التخلف والركود في عالم متحرك وديناميكي، خصوصا أن الكثير من الساسة الطارئون يجهلون أن الموارد مهما كانت عظيمة، لا يمكن تفعيلها إلا عبر العمل والاستثمار وفقا لستراتيجيات طموحة، ولو أننا تتبعنا مسيرة التاريخ منذ مطلع القرن العشرين، وتحديداً قبل اندلاع الحرب العالمية الاولى، التي توصف بأنها الحرب الاستعمارية باعلى مراتبها الامبريالية، نجد أن الانظار النهمة لدول الغرب كانت تتوجه متنافسة على العراق، بوصفه بقعة جغرافية مهمة بين أبعاد ومسارات مختلفة، وبوصفه معبرا في منطقة الشرق الاوسط بالغ الاهمية والثراء، وبموارد هائلة يأتي في مقدمتها الوقود والموارد الطبيعية الاخرى، فالمانيا الصناعية الكبيرة والفقيرة المستعمرات قياسا ببقية دول أوربا حتى الصغيرة منها، وضعت العراق بين هلالين ضمن أهدافها الستراتيجية، وكانت تتزعم ما يسمى بالمحور في الحرب العالمية الاولى، أوشكت بالشروع بينما اطلقت عليه سكة بغداد - برلين، التي كانت تمثل أحد احلامها الاستعمارية قبل خسارتها في الحرب، وفي سنوات عشرينات القرن الماضي تداخلت وتنازعت البلدان المنتصرة في الحرب للاستحواذ على الموارد النفطية الغزيرة في العراق، وهي المدركة لقيمتها المستقبلية اكثر من ابناء البلد، واستقرت الحيازة الاستثمارية لصالح بريطانيا في آخر المطاف، واستمرت لها الهيمنة على هذه الثروة حتى مطلع السبعينات،  في حقبة الحكم الملكي للعراق وكان النمو خلاله بطيئاً إلى حد كبير، كانت هناك تجربة باهرة ظلت تشكل مناسبة للذاكرة العراقية يمكن الالتفات نحوها لما تشكله من نهضة قوية ورصينة، في ارساء بنية تحتية شاملة تمثلت في (مجلس الإعمار) يعد الأفضل ما مر على العراق من نهضة اقتصادية حقيقية موثقة بالانجازات، التي ما زالت واضحة المعالم والتاثير، وملخص قصة مجلس الإعمار أن بنك الاعمار الدولي أرسل بعثة إلى العراق في مطلع عام 1951، ضمت عددا من الخبراء والمستشارين في ميادين الاقتصاد ومجالات الزراعة والتعليم والصحة والاسكان، كان هدفها دراسة امكانات العراق من جميع النواحي، ووضع برامج تنمية الاعمار للبلد، وبعد أربعة اشهر اصدرت البعثة توصياتها في السنة نفسها في تقرير،  أهم ما في هذا التقرير والتوصيات، والتي ما زال فيها ما يفيد العراق في الوقت الراهن في ما اعتقد، هو أن توضع كل موارد النفط في العراقي في صندوق خاص به، بينما يجري تمويل الخزينة العامة لأغراض الرواتب والاجور والتشغيل من مصادر زراعية وصناعية وضرائب وسياحة، طبعا في ذلك الظرف الذي كانت فيه هذه القطاعات الاخيرة مفعلة، وذات انتاجية ملموسة، لم يكن الاقتصاد العراقي ريعياً بشكل مطلق مثلما هو اليوم، استطاع مجلس الاعمار انجاز مشاريع تنموية وخدمية كبيرة، ما زال العراق يستفيد ويحتفظ بالكثير منها، كالسدود والجسور ومعامل السكر ومصانع السمنت والسكر والنسيج والنفط والغاز ومحطات الطاقة الكهربائية وسكك الحديد،  كان الأولى بمشروع مجلس الإعمار أن يستدام ويتطور بمنحنى تصاعدي يؤدي إلى الاستثمار الأمثل للموارد الطبيعية الهائلة التي يتمتع بها العراق، ولكن الامور ذهبت بشكل معكوس تماما منذ فترة الستينات وصاعداً باستثاء بعض الفترات القصيرة من الوفرة والرخاء، ومرجعها التعافي في أسعار النفط في كل الاحوال، فلو تابعنا الحكومات الديمقراطية التي تعاقبت على الحكم منذ العام 2003، والتي كانت قد تقدمت ببرامج اقتصادية أقل ما يقال عنها إنها باذخة وطموحة، ولكنها في كل مرة، لم تتجاوز كونها حبراً على ورق، ولم تحقق حتى النزر اليسير من الانجاز، وعلى مدى العقدين من الزمان لم نشهد توجاً عملياً باتجاه التقليل من مظاهر الاقتصاد الريعي المعتمد على عائدات النفط، اما ما يلفت النظر بخصوص الظاهرة الريعية التي يتسم الاقتصاد العراقي اليوم، اننا نجدها مكرسة يكاد يكون مطلقاً، عن طريق تصفير الانتاجين الصناعي والزراعي بنوايا مقصودة واخرى بفعل غياب الكفاءة للمشرفين عليهما، لذلك تبدو مهمة الحكومة الاخيرة في منتهى التعقيد والصعوبة، اذا ما ظلت تجري في نفس السياقات المعمول بها راهناً، لذلك تبدو تجربة (مجلس الإعمار) القديم في العهد الملكي أنموذجاً ملهماً في مجال الإشراف وادارة 

المشاريع.