بوينغ قد تخسر الريادة أمام ايرباص

بانوراما 2019/04/13
...

مجموعة محررين
ترجمة: خالد قاس
واجهت بوينغ ارتدادا لم يكن بالحسبان في ربيع 2011، اذ كانت شركة أميركان آيرلاينز الزبون الحصري لبوينغ طيلة أكثر من عشر سنوات على استعداد لتقديم طلبية بمئات الطائرات الجديدة والكفوءة باستخدام الوقود من الشركة العملاقة الأخرى المختصة بصناعة الطائرات: ايرباص
من أجل اقناع شركة الطيران قررت بوينغ التخلص من فكرة تطوير طائرة ركاب جديدة والتي قد تستغرق عشر سنوات، وقررت بدلا من ذلك تحديث طائرتها الأساسية “737” ووعدت بجهوزيتها خلال ست سنوات.
ولدت “737 ماكس” بعد ذلك بثلاثة شهور، لكن ضغط التنافس لصنع الطائرة وتضمن التصميم والتطوير بأكمله يهدد سمعة وأرباح بوينغ بعد حادثتي تحطم لهذا الطراز خلال أقل من خمسة أشهر، ويجري المحققون والجهات الرقابية تحقيقات بشأن مدى التسرع بتصميم وانتاج وتصديق “ماكس” مما جعل بوينغ تغفل مخاطر سلامة مهمة وتقلل من أهمية الحاجة الى 
تدريب الطيارين.
وعلى الرغم من أن المحققين ما زالوا يحاولون تحديد سبب حادثتي التحطم في إثيوبيا وإندونيسيا، لكنهم يركزون على برمجيات وضعت حديثا لتجنب حالات الفقدان المفاجئ للارتفاع، والغرض منها تعويض المحركات الأكبر والأكثر كفاءة وضمان تحليق الطائرة بنفس طريقة النسخة 
القديمة.
لقد تخلفت بوينغ بشهور وراء ايرباص، وتطلب اللحاق بمنافستها العمل بسرعة مسعورة كما قال موظفون حاليون وسابقون لديها.
 ضغطت الشركة على المهندسين لتقديم رسومات فنية وتصاميم بضعف السرعة الطبيعية، أما المدراء فواجهوا مواعيد نهائية صارمة وميزانيات مقيدة لذلك سحبوا العمال من أقسام أخرى بحالة مغادرة أحدهم مشروع ماكس. على الرغم من توتر العمل، لكن هؤلاء الموظفين قالوا أنهم أنجزوه وهم يشعرون بالثقة من 
سلامة الطائرة.
استمر شبح منافس بوينغ بالحضور، اذ كانت ايرباص تسلم طائرات أكثر من بوينغ لعدة سنوات، وخسارة الزبون الأميركي ستكون قاسية وتكلف بوينغ مليارات على شكل مبيعات ضائعة وربما آلاف الوظائف.
 
الاستخفاف بالمنافس
لم يظهر القلق على بوينغ في البداية عند تقديم ايرباص طائرة “أي 320 نيو” الكفوءة باستخدام الوقود في العام 2010. وخلال اجتماع لقسم الطائرات التجارية لبوينغ أجري مطلع العام التالي، أخبر المدير التنفيذي للقسم جيمس ألبو موظفيه أن ايرباص ستتجاوز الميزانية المقررة لصنع طائرة لا ترغب بها شركات الطيران. وتباهى جيمس بقوله أن تلك الشركات دفعت أموالا مقابل طائرة بوينغ ذات الممر الواحد أكثر من نسخة ايرباص، ولم ير حاجة لهجوم بوينغ آنذاك، إذ بإمكانها الانتظار حتى نهاية العقد الحالي لانتاج طائرة جديدة من الصفر.
لم تكن ايرباص محط اهتمام بوينغ طيلة عشرات السنين، وبدأ تحالف شركات خلال العام 1970 مكون من عدة دول أوروبية، لكنه كان بطيئا في التنافس العالمي.
 أما شركة بوينغ فقد أسست سنة 1916 وهيمنت على سوق الطائرات التجارية بطائرتها 737 متوسطة الحجم و747 الضخمة. ظهر بعد ذلك جون ليهي، وهو أميركي ارتقى الى منصب مدير مبيعات ايرباص عام 1994. اتصف ليهي بالمثابرة، ففي إحدى المرات أصيب مدير شركة طيران بمرض قبيل توقيع عقد مع ايرباص، فما كان من ليهي الّا أن يسافر الى منزل المدير ووقع معه الأوراق وهو يرتدي ثوب الحمام.
ذكر ليهي في إحدى المقابلات: “ظنت شركة بوينغ أننا مجرد نجاح عابر، لكنني لا أعتقد بوجود سبب يمنعنا من امتلاك 50 بالمئة من
 السوق.”
 وبحلول العام 1999، سجل ليهي نجاحا باهرا عندما قررت شركة “جت بلو” اطلاق أسطول مكون بالكامل من طائرات ايرباص أي 320، وشهدت السنوات اللاحقة تقديم شركات طيران واطئة الكلفة حول العالم طلبيات
 كبيرة أيضا.
تفوقت ايرباص على بوينغ عام 2005، وقال حينها تيم كلارك رئيس شركة طيران الإمارات: “عانت بوينغ مع التطوير المطلوب لإدخال الشركة الى القرن 21، وكانت ايرباص أكثر
 شجاعة وجرأة.”
 
ضغوط داخلية
بدأ السباق داخل بوينغ بعد ستة شهور على انطلاق مشروع ماكس، اذ سجل مهندسون الفروقات بين هذا الطراز وسابقه مما يعني امتلاكهم تصاميم أولية لنموذج ماكس، وذكر أحد مهندسي المشروع أن الجدول الزمني كان مضغوطا جدا.
أما أحد المصممين السابقين لفريق أدوات التحكم برحلات طائرة ماكس، فقال أن مجموعته أنتجت أحيانا 16 رسما فنيا اسبوعيا، أي ضعف المعدل الطبيعي. وقال فني يجمع شبكة أسلاك الطائرة أن الشهور الأولى من المشروع شهدت تقديم المصممين المتسرعين تصاميم غير واضحة اليه، وأخبره مسؤولوه أن تعليمات شبكة الأسلاك ستتضح لاحقا خلال العمل.
وقالت شركة بوينغ في بيان لها: “أطلق برنامج ماكس في العام 2011، وقدّم الى الزبائن أواسط أيلول 2012.
 واكتمل الإعداد النهائي للطائرة قبل نهاية تموز 2013، وخرجت أول طائرة 737 ماكس 8 من مصنع رنتون في تشرين الثاني 2015. لا يمكن النظر لعملية استغرقت سنوات على
 أنها متسرعة.”
تركز جهد بوينغ على بناء طائرة بنفس مواصفات نماذج 737 السابقة، وهو أمر مهم للمصادقة على الطائرة بسرعة. ويساعد ذلك أيضا بتقليص تدريب الطيارين الضروري وخفض النفقات على شركات الطيران.
قبل شهور من اعلان بوينغ عن ماكس، انتقد “جيمس ألبو” قرار ايرباص بإعادة تجهيز موديل أي 320 بمحركات أكبر، مما قد الديناميكا الهوائية ويتطلب تغييرات على الطائرة.لكن نقطة بيع أساسية لايرباص أي 320 الجديدة كانت محركات كفوءة
 بالوقود. 
ومن أجل مضاهاة ايرباص، قررت بوينغ تجهيز ماكس بمحركات جديدة أكبر وأقوى. لكن لتعويض امكانية تغير الديناميكا الهوائية للطائرة وجعلها أكثر عرضة للانخفاض في بعض الظروف، أضافت تقنيات بوينغ برمجة جديدة تدفع مقدمة الطائرة تلقائيا الى الأسفل اذا أحست باتجاه الطائرة نحو زاوية خطيرة، والهدف هو تجنب
 فقدان الارتفاع.
كان الدفع باتجاه الأتمتة تحولا جذريا بالنسبة لشركة بوينغ، التي أرادت لعشرات السنين ابقاء الطيارين مسيطرين على الطائرات بأكبر قدر ممكن. أما ايرباص، على سبيل المقارنة، فقد مالت الى تبني التكنولوجيا وجعلت الحواسيب هي المتحكمة 
بالطائرة.
صحيفة نيويورك تايمز الاميركية