الهند وتحدّيات الطاقة لمواجهة تغيّر المناخ

بانوراما 2023/03/15
...

 تارا سوبرامانيام

 ترجمة: بهاء سلمان

من المعتاد أن تصل درجة الحرارة في صحراء "ثار" الهندية إلى 48 درجة مئوية. وحتى عندما تهبط، تندفع منها رياح حارة عبر السهول الجرداء. التربة هنا مجدبة، والمياه نادرة للغاية، ويكاد هذا المكان يكون غير مناسب لعيش البشر فيه، بيد أنه مثالي لأحد أكبر حقول الطاقة الشمسية في العالم.

وتمثل حديقة "بهادلا" للطاقة الشمسية في ولاية راجستان، الواقعة قرب حدود باكستان، رمزا لطموحات رئيس الوزراء الهندي "نارندرا مودي" الهائلة بتحويل بلاده إلى مصنع لتوليد الطاقة النظيفة.


وبحلول سنة 2030، يسعى مودي لإنتاج نصف طاقة الهند من المصادر المتجددة، وهو هدف ضخم ورائع من ثالث أكبر مشع للكاربون في العالم، لكن تحقيقه يستلزم ترليونات الدولارات وبعضا من قرارات حازمة يتّخذها زعيم البلاد. 

ومع تزايد وتيرة الطاقة المتجددة في الهند أكثر من أي اقتصاد كبير آخر، تبقى البلاد معتمدة على الفحم، الذي لطالما دعم التنمية ويمثل أكثر من ثمانين بالمئة من مزيج الطاقة. وتتحدث الهند عن النيّة لتوسيع استخدام الوقود الأحفوري، حتى مع اختناق السكان بالتلوّث الناتج عن ذلك الوقود. في الماضي، دافعت الهند عن استخدامها للوقود الإحفوري المسبب لرفع حرارة كوكب الأرض تحت مبرر التنمية، وهو موقف نظر إليه باِنتقاد في محادثات المناخ الدولية.

وخلال مؤتمر الأمم المتحدة للتغيّر المناخي المنعقد سنة 2021 في كلاسكو الأسكتلندية، اِعترضت الهند في الدقيقة الأخيرة على تغيير لهجة البيان المشترك المقترح حول إنهاء العمل بالفحم على مراحل. وجادل رئيس الوفد الهندي أن ما توفره حكومته من طاقة ينتجها الفحم إلى العامة ينبغي استمرارها، متسائلا عن الحصول على وقود الغاز الطبيعي لتجهيز طاقة للفقراء الذين لا يزالون يحرقون الخشب لطهي طعامهم.


مبررات واقعية

يسلّط هذا التبادل الضوء على التناقض الموجود في لب الموقف الهندي حول تغيّر المناخ، وهو إمكانية حكومة مودي وضع أهداف سامية، لكن بلاده متناقضة بين التنمية وإزالة الكاربون. 

واستعرض وزير الطاقة الهندي "راج كومار سينغ" تلك المعضلة، عندما أعلن عن خطط لإضافة 56 كيكاواط من وقود الفحم لمزيج الطاقة بحلول 2030، بنفس الوقت الذي تستثمر فيه أموال للطاقة المتجددة، مشددا على أولوية وجود طاقة موثوقة لأجل 

التنمية.

يمثل هذا الوضع أنباء سيئة للمعركة العالمية ضد تغيّر المناخ، حيث عملت السياسة الهندية على انتشار تداعيات مقلقة. وتطلق الهند انبعاثات لغاز ثاني اوكسيد الكاربون بكميات تبلغ نحو مليارين ونصف مليار طن سنويا، استنادا لبيانات الإتحاد الأوروبي. وتشير تحليلات إلى أن خطط الهند وفقا لمجموعة "تعقّب العمل المناخي" تبيّن أن أهداف البلاد تعتبر "منقوصة بشكل حرج" لتحييد الاحترار العالمي بنحو درجة مئوية ونصف فوق مستويات فترة ما قبل الثورة الصناعية. وسوف تعمل حالة زيادة الدفء لأبعد من تلك النقطة على إثارة أضرار يتعذّر إصلاحها، ودفع الكثير من الأنظمة البيئية إلى نقطة تحوّل، وفقا لعلم المناخ.

على بعد أربعمئة ميل فقط من حديقة "بهادلا" للطاقة الشمسية، تقع أربع من أكثر خمس مدن تلوّثا في العالم، بحسب "التقرير العالمي لجودة الهواء" لسنة 2021؛ حيث ينتشر السخام ورماد الفحم المحترق يوميا في تلك المدن. ووفقا لتقرير عن تغيّر المناخ صادر عن كلية البيئة لجامعة ييل الأميركية، فقد أشار 81 بالمئة من الهنود المستطلعة آراؤهم عن قلقهم حول الاحترار العالمي، مع قول خمسين بالمئة من أنهم "قلقون للغاية"، علاوة على أن 64 بالمئة أكدوا "ضرورة قيام الحكومة بفعل المزيد لمعالجة الاحترار العالمي."

مع ذلك، لا تزال هناك قلة تدّعي بأن مشكلة التغيّر المناخي يجب على الهند ايجاد حلها بمفردها. بالفعل، فالصورة تتغير بشكل جوهري حينما ينظر إلى انبعاثاتها مقارنة بعدد سكانها الهائل. 

وتظهر الأرقام وفقا للفرد أن الهنود يساهمون واقعا بنسبة قليلة نسبيا في المشكلة، فبينما يبلغ معدل انبعاثات الفرد الأميركي نحو 15 طن من ثاني أوكسيد الكاربون سنويا، يطلق الفرد الهندي طنّين تقريبا سنويا.

مع ذلك، ورغم المستوى المتدني لانبعاثات الفرد الواحد، فيمكن لثقل معاناة البلاد أن يشعر بها على مستوى الأفراد، ففي العاصمة دلهي، رابع أكثر مدينة ملوّثة عالميا، يلاحظ الناس التأثيرات المباشرة لاستهلاك الفحم. يقول روهيت شارما، 36 سنة: "نحن نشعر بالإحباط حينما ننظر إلى المدن الأخرى قليلة التلوّث، ونوع الحياة التي يعيشونها، ندرك أن هناك فرقا، إذ سيؤثر تلوّث الهواء على كل شيء، وستكون لدينا مشاكل 

صحية وتنفسية، وستقل دورة الحياة بالنسبة لنا."


محاولات بائسة

وتعمل حكومة مودي على تشجيع مواطنيها بتطوير معيشتهم، فأطلقت مؤخرا برنامجا يحث سائقي المركبات على إطفاء محركاتهم عند الإشارة الضوئية الحمراء، وعلى استخدام السلالم بدلا من المصاعد وغيرها. لكن الأمر لا يتعلق فقط بإمكانية اعتماد العالم على الهند لإزالة الكاربون، وإنما أيضا بامكانية الناس الاعتماد على حكومتهم لفعل ذلك. وحتى مع وصول العالم إلى حالة توقف خلال جائحة كورونا، بقيت الهند توسع مصادر الطاقة المتجددة، فما بين 2019 و2021، إزدادت حصة طاقة الهند من تلك الطاقة بنسبة ثلاثة بالمئة تقريبا، بحسب تقرير صدر سنة 2022 من مركز العلوم والبيئة في نيودلهي. الأمر متعلّق أيضا بالتمويل، فالإنفاق على الطاقة المتجددة والجهود الأخرى الرامية إلى تخفيف التغيّر المناخي تعد مكلفة جدا. وكان من المفترض بالعالم المتقدّم تقديم مئة مليار دولار سنويا للدول النامية لمساعدتها في تقليل انبعاثاتها والتكيّف مع أزمة المناخ، ولم يتم الإيفاء بهذا الهدف مطلقا. وبإمكان الهند توظيف مالها، ولأجل إنجاز خططها لطاقة الرياح والشمس بحلول سنة 2030، فهي بحاجة إلى 223 مليار دولار، وفقا لتحليلات مؤسسة بلومبيرغ. وخلال العام 2020، رفعت الهند ما نسبته الربع فقط من الأموال اللازمة سنويا للإيفاء بأهدافها الأساسية لتغيّر المناخ. وإذا لم تتلق البلاد الدعم المالي المطلوب، ستكون عملية إدامة خطواتها الخاصة بتطوير الطاقة المتجددة صعبة، كما ستكون زيادتها أصعب حالا.


وكالة سي أن أن الاخبارية الاميركية