محمد محبوب
يحققُ اليمين المتطرف اختراقات عديدة في الجدار الرخو للديمقراطية الأوروبية وصارت بعض الدول الأوروبية تحكمها أحزابٌ يمينيَّة متطرفة، وهذه الأحزاب في حالة صعود بدول أخرى، وبالتالي فإنَّ أوروبا تتجه الى مرحلة خطيرة يسودُ فيها الفكر اليميني المتطرف الذي بدأ ينتج موجة شعبية يمينية متصاعدة تمتد من شواطئ البحر الأبيض المتوسط الدافئة الى أقصى حدود الدول الأسكندنافية الباردة.
وتعود أسباب صعود اليمين الأوروبي المتطرف الى عوامل عديدة أبرزها، تداعيات الأزمة الاقتصادية والمالية التي تعاني منها القارة العجوز، وتزايد تدفق المهاجرين إليها، وجدل الهوية الثقافيَّة لدول القارة وبروز ظاهرة معاداة الإسلام فيها، فضلاً عن أزمة الأحزاب التقليديَّة الكبيرة، ولعلَّ العامل الأخطر يتمثلُ في تنامي اعتقاد شعبي يتهم الأجانب بالمسؤولية عن تفاقم البطالة بين شباب البلاد الأصليين وتحمل دافعي الضرائب والدولة مزيداً من الأعباء المالية بسبب الإنفاق المتزايد على المهاجرين، فضلاً عن زيادة نسبة الجرائم التي يرتكبها الأجانب، وبدأت أصواتُ الكراهيَّة تتصاعد وتطالب الحكومات بطرد المهاجرين، وقد وجدت الأحزاب اليمينية المتطرفة فرصتها السانحة في استثمار هذا التذمر الشعبي لكسب المزيد من أصوات الناخبين الذين كانوا مع الأحزاب المعتدلة.
وفي ضوء هذه الحالة الملتبسة تغذي الأحزاب اليمينية بروز “خطاب شعبوي” معادٍ للأجانب في الدول الأوروبيَّة، خطاب يتعامى عن الأسباب الحقيقية للأزمة الاقتصادية وسياسات التقشف التي تفرضها الحكومات الأوروبية، وبدأت الأحزاب اليمينية تأكل من جرف الأحزاب المعتدلة واليسارية في كل انتخابات تحصل في البلدان الأوروبية، ومنها صعود اليمين الشعبوي المتطرف في ألمانيا من خلال “حزب البديل” الى البرلمان الاتحادي “بوندستاغ” بنسبة 12,6 من الأصوات وحصوله على 94 مقعداً، برغم أنَّ الجميع يعلم أنَّ هذا الحزب قد جاء من معطف النازية المحظورة في البلاد، وفي إيطاليا تصدر تحالف يميني يتزعمه حزب “الرابطة” اليميني الشعبوي الانتخابات الإيطالية الأخيرة، كما يُمثل صعود حركة “خمس نجوم” اليمينية المتشددة صدمة كبرى بحصولها على نحو 32 % من الأصوات، ما يجعل منه الحزب الأول في إيطاليا، وبعد تراجع الحزب الديمقراطي (يسار الوسط)، إذ حل في المرتبة الثالثة، فإنَّ تحالف الأحزاب اليمينية المتطرفة يحكم البلاد
اليوم، وهذا ماحصل في النمسا بعد صعود حزب “الحرية” النمساوي في الانتخابات الأخيرة وحصوله على 26 % من الأصوات ثم مشاركته في الحكومة بعد تحالفه مع حزب المحافظين النمساوي (وسط اليمين)، وفي هولندا شهدنا تنامي حظوظ حزب “الحرية” اليميني المتطرف بزعامة خيرت فيلدرز، وبات أكبر قوة في البرلمان الهولندي بعد الليبراليين، وفي فرنسا تصاعدت حظوظ رئيسة الجبهة الوطنية مارين لوبان في الانتخابات الرئاسية العام الماضي، ونجحت في مضاعفة عدد أصوات حزبها مقارنة بما حصل عليه والدها مؤسس الحزب جان ماري لوبان قبل 15 عاماً، وفي وارشو وبودابست نجح المحافظون الوطنيون أو الشعبويون اليمينيون أنفسهم في الوصول الى الحكومات، ويُعد رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان زعيماً للتحالف اليميني المتطرف في البلاد، ويتعاون بشكل وثيق مع اليمين البولندي من خلال الحزب “الوطني”
الحاكم.
ورغم أنَّ اليمين المتطرف تصاعدت حظوظه الانتخابية في العديد من البلدان الأوروبية، غير أنَّه فشل حتى الآن في تصدر المشهد السياسي الأوروبي والإمساك بزمام السلطة في غالبية البلدان الأوروبية، ومع ذلك لم يعد على هامش الحياة السياسيَّة مثلما كان في السابق، ويبقى القلق مشروعاً بشأن تنامي الموجة اليمينية المتطرفة، هل هي موجة عابرة أم سوف تتحول الى تسونامي يعصف بالقارة الأوروبية؟.