نتنياهو الخامس

آراء 2019/04/13
...

حازم مبيضين
 

اتضحت نتائج الانتخابات الإسرائيلية، وبات واضحاً أن اليمين المتطرف حقّق الأغلبية بحصوله على 65 مقعداً، وباتت نتيجة الاستشارات النيابية معروفة مسبقاً، بنيامين نتنياهو رئيساً للحكومة. محولاً الانتخابات إلى استفتاء شعبي حول استمرار توليه رئاسة الحكومة للمرة الخامسة، وبينما اعترف خصمه بالهزيمة فإنَّ حزب العمل تلقى الضربة الأقسى في تاريخه. وهو الحزب المؤسِّس للدولة، وقاد حروبها خلال العقود الثلاثة الأولى، وشكّل أحد قطبَي السياسة الإسرائيلية خلال الثمانينيات والتسعينيات. وقد اختار الناخبون نتنياهو رئيساً للحكومة، رغم كل تهم الفساد، ووفروا له حصانة شعبية وسياسية يستطيع الاستناد إليها لمواجهة أي مسار قضائي ضده خلال الأشهر المقبلة. وأظهر هذا الجمهور غلبة الانتماء الأيديولوجي لديه على الالتزام بالقوانين. وسيتضح خلال الأيام المقبلة كيف سيستثمر نتنياهو الالتفاف السياسي والشعبي حوله لحمايته من المحاكمة. ويؤشر السقوط المدوي لليسار الإسرائيلي، وفشل حزب ترأسه ثلاثة رؤساء أركان سابقين، في التغلب على نتنياهو، إلى حجم الالتفاف الشعبي حول الخيارات السياسية الأكثر تشدداً، كما يظهر أن التاريخ العسكري لم يَعُد عاملاً جاذباً بما فيه الكفاية، وأن النظرة الجماهيرية إلى المؤسسة العسكرية وخرّيجيها قد تبدّلت.
فور إغلاق صناديق الاقتراع بدأ نتنياهو العمل على تشكيل الائتلاف الحكومي، وسارع للاتصال بالأحزاب الدينية لتأكيد الوقوف معاً في معركة التكليف، فيما أعلن غانتس مؤخراً هزيمته رغم وعده السابق بأنه سيعطي الأحزاب الدينية شيكاً مفتوحاً إن وقفت إلى جانبه. لكن الواضح أن للعامل الخارجي دوراً كبيراً ويتضح ذلك من تصريح الرئيس الأميركي إن فوز نتنياهو يعطي خطة السلام الأميركية فرصة أكبر، وهو “فأل خير” ومؤشر جيد للسلام في المنطقة. إضافة إلى هدية بوتين له بتسليمه جثة جندي كان مدفوناً في سوريا. وفيما يؤشر النجاح الساحق لليمين المتطرف على التراجع الفاجع لليسار المتمثل بنتيجة حزب ميرتس، الذي اكتفى الجمهور بمنحه 5 مقاعد مع أنه يمثل اليسار بامتياز بعد انزياح «العمل» إلى الوسط منذ سنوات، يمكن القول إن الانتخابات شهدت تنافساً بين اليمين واليمين المتطرف واليمين الأكثر تطرفاً. وهذا التوصيف يستوعب كل الأحزاب التي خاضت هذه الانتخابات مع استثناءات محدودة، وإذا كان الليكود سابقاً مجبوراً خلال الانتخابات على عرض جدول أعماله وخططه تجاه الفلسطينيين والمفاوضات، فإنَّ هذه الانتخابات شهدت انقلاباً. فالأحزاب الموصوفة باليسارية أو الوسطية، مضطرة للحديث عن القضية الفلسطينية والعملية السياسية لتؤكد أنها لن تتنازل للفلسطينيين إذا جاؤوا صاغرين إلى طاولة المفاوضات.
فلسطينياً يجد الفلسطينيون أنفسهم أمام الجدار مع اقتراب موعد إعلان “صفقة القرن” التي تشير التسريبات الى أنها تسعى للإبقاء على كيانين فلسطينيين منفصلين في الضفة والقطاع غير واضحي المعالم يحتفظ الجانب الإسرائيلي بما يكفي من شروط ضبط إيقاعهما حين يتعارض أداؤهما مع ستراتيجية تهويد وأسرلة فلسطين التاريخية، والتخلص من سكانها العرب ما يستدعي تفكيراً من خارج الصندوق يتمثل في البحث عن علاقات مختلفة بين الضفة وغزة، ومناطق الخط الأخضر، والشتات على ضوء تزايد وضوح ستراتيجية المشروع الصهيوني، مع مراعاة تفاصيل ظروف هذه المكونات، فمن شأن مثل هذا التجديد توفير الزخم المطلوب لإيجاد حركة وطنية فلسطينية مختلفة.
واضحٌ أنه بعد هذه الانتخابات ستواصل إسرائيل التسويف وإنهاء القضية الفلسطينية وخنق حقوق الفلسطينيين، كما هي الستراتيجيات المتبعة حالياً، إذ في ما يتعلق بفلسطين، فإنَّ المرجح أنْ يبقى الوضع في قطاع غزة على حاله من تجاذب بين حين وآخر، أي بين اتفاق التهدئة والتصعيد والمسير على خط دقيق إلى جانب المواجهة الشاملة، وإن باتت الظروف مهيأة في مرحلة ما بعد الانتخابات للتدحرج نحو مواجهة وأيام قتالية للزوم استرداد الردع الإسرائيلي الذي تشوه خلال الأشهر الماضية في مواجهة الفصائل الفلسطينية التي لن ترضى بدورها باحتواء العدائية الإسرائيلية تجاهها، أما على الجبهة اللبنانية حيث تتعاظم التهديدات وتظل إمكانات المواجهة محدودة. فإنه لاعلاقة لنتائج الانتخابات بقرار الحرب، إذ يتعذر على شخص رئيس الحكومة فرض جدول أعمال متطرف ومتوثب لشنّ الحروب، فالمقاربة الإسرائيلية للساحة اللبنانية محكومة بمعادلات يصعب تجاوزها لأسباب شخصية، وهي ممسوكة جيداً من المؤسسة الأمنية، مع الإدراك الجامع في تل أبيب لأثمان المواجهة فيها، ما يعني أن الانتخابات ونتيجتها لا تغير هذه المعادلات.