في ذكرى انتفاضة آذار

آراء 2023/03/15
...

  أحمد حسين

في شهر آذار عام 1991 انطلقت انتفاضة شعبية عفوية وغير مخطط لها ضد النظام الدكتاتوري المباد، الشرارة الأولى لهذه الانتفاضة اشتعلت في قلب مدينة البصرة وتحديداً في ساحة سعد الشهيرة، أما من أشعلها فهو ضابط في قوات حمورابي بالحرس الجمهوري

 وهي أول قوة عسكرية اقتحمت حدود الكويت في الثالث من آب 1990، نعم ضابط من الحرس الجمهوري هو من فجر هذه الانتفاضة، فبعد الانسحاب «المهين» للجيش العراقي من الكويت بأوامر رعناء من قبل النظام السابق، كانت هناك حالة من الغضب الشديد والحنق من قبل قادة الجيش جراء ما تكبدوه من خسائر فادحة في الأرواح والمعدات و»الكرامة والكبرياء».

قرار الانسحاب الكارثي جعل المنسحبين أهدافاً سهلة للطيران الأمريكي، وتحت ضغط هذا الغضب كان أحد المنسحبين من قوات حمورابي ضابطاً برتبة رائد على ما أذكر، يقود دبابته حين وصل إلى ساحة سعد وسط مدينة البصرة والتي تتوسطها صورة كبيرة لرئيس النظام السابق، فما كان منه إلا أن يوجه فوهة مدفع دبابته ويطلق قذيفة على الصورة وحولها إلى أنقاض، ومنها انطلقت شرارة الانتفاضة من الجيش أولاً ليسانده الشعب، وتمتد بعدها إلى المحافظات الجنوبية والوسطى، وفي بغداد كانت بشكل محدود وفي مدينة الثورة تحديداً (مدينة الصدر حالياً)، ومن ثم ثار الكرد ضد النظام، وفي مناطق من محافظات صلاح الدين محافظة رئيس النظام السابق وديالى وكركوك ونينوى، وفي هذه الانتفاضة سالت دماء الشيعة والكرد والتركمان والشُبك والمسيح، إذاً هي انتفاضة شعبية صرف، كما لم تقدها أي جهة سياسية.

أريد تسليط الضوء هنا على قضية اعتبرها غاية في الأهمية، ألا وهي محاولة مصادرة هذه الثورة الشعبية وتأطيرها بإطار قومي أو مذهبي أو مناطقي، الأخوة الكرد يحبون تسميتها «انتفاضة آذار» لما لهذا الشهر من رمزية لديهم، ففيه ولد زعيمهم الملا مصطفى بارزاني وفيه توفيّ، وكذلك شهد آذار عام 1970 الإعلان عن الحكم الذاتي للكرد لأول مرة في تاريخهم، وفي آذار أيضاً عام 1975 تم توقيع ما يُعرف باتفاقية الجزائر، والتي أنهت الثورة الكردية، وفي الوقت نفسه تبرع رئيس النظام المباد بأراضٍ ومياه العراق لنظام الشاه الإيراني، الذي كان يستخدم ورقة الثورة الكردية ضد العراق، أيضاً في آذار عيد نوروز وهو العيد القومي الأهم للكرد، بالتالي في الجانب العاطفي من حق الكرد تجيير انتفاضة آذار عام 1991 باسم هذا الشهر.

في المقابل يطلق الأخوة الشيعة على انتفاضة آذار مسمى الانتفاضة الشعبانية، لأنها صادفت في شهر شعبان - والمفارقة التاريخية أن فتوى الجهاد ضد تنظيم داعش صدرت من المرجع الشيعي الأعلى في شهر شعبان عام 2014- ولهذا الشهر رمزية كبيرة، فهو شهر ولادات الأئمة الاثني عشرية، وأبرزها ولادة الإمام المهدي القائد المستقبلي للشيعة، بالتالي أيضاً يحق للشيعة نسبت انتفاضة آذار لشعبان.

لكن لو تريثنا جميعاً ونظرنا للأمر بعيداً عن العاطفة، ألا نرى أن الكرد والشيعة جردا باقي القوميات والأديان والمذاهب، التي شاركت في هذه الانتفاضة العظيمة من شرف اشتراكهم بها؟.

بالنسبة ليّ اعتقد أن انتفاضة آذار لا تختلف عن الانتفاضة ضد تنظيم داعش الإرهابي، فكلاهما شاركت فيهما مختلف الأطياف العراقية، وبالتالي كلاهما انتفاضتان شعبيتان، فهل يحق لنا نسب الانتفاضة ضد داعش إلى جهة دون غيرها أو إضافة طابع قومي أو ديني أو مذهبي عليها وتجييرها لجهة دون غيرها؟.