د.عبد الخالق حسن
بمبلغ يصل إلى 197 ترليون دينار، تكون الحكومة قد كشفت عن نواياها تجاه تنفيذ برنامجها الذي صوت عليه مجلس النواب.
موازنة هائلة وشاملة، يمكن أن تؤسس لانطلاقة كبرى في مجال الإعمار، وتقديم الخدمات، وإكمال المتعطل من المشاريع، التي تجاوز عمر وضع حجر الأساس لها 15 سنة. بعضها قد تعطل بسبب الفساد والتلكؤ، وبعضها الآخر توقف العمل فيه بعد دخول داعش، وانخفاض اسعار النفط الذي تسبب بإلغاء الحكومة في وقتها الاستثمار في كثير من المشاريع، التي كانت على تماس مباشر مع حياة المواطنين. لعلَّ أهمها هي المستشفيات المنتشرة في الكثير من مناطق العراق، والتي بقيت مجرد هياكل يأكلها الأهمال والأتربة.
ومع وصول حكومة السيد السوداني، كان موضوع إكمال ما نسيته يد الإنجاز من أهم أولويات الحكومة.
كانت البداية مع الجهد الخدمي والهندسي، الذي كانت تجربةً مميزةً، طافت على المناطق التي لم تشهد دخولاً للخدمات الحكومية، أو المناطق التي أنشأ أهلها الخدمات بجهودهم الذاتية، وبعدها، اتخذت الحكومة قراراً حاسماً بتفعيل العمل في المشاريع المعطلة.
وبالعودة إلى الموازنة، فإن حصة المشاريع التي ستكون بالتعاون بين القطاع العام والقطاع الخاص هي حصةٌ كبيرةٌ، ستفتح الباب أمام الآلاف ليدفعوا عنهم شبح البطالة. لكن بشرط، أن يتم التعاقد مع القطاع الخاص الذي ينجز ولا يبحث عن الربح فقط دون جودة في العمل أو النوعية. إذ اعتدنا لسنوات طويلة على مشاريع تحال بالباطن لأكثر من جهة، حتى تصل أخيراً إلى من يتعامل معها بمنطق البحث عن الربح دون أن يهتم للإنجاز المتكامل.
النقطة اللامعة في هذه الموازنة أيضاً هي الزيادات التي أضيفت إلى رؤوس أموال بعض المصارف، مثل المصرف الصناعي، من أجل تقديم القروض للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، فضلاً عن مبادرة ريادة الخاصة بقطاع الإبداع الشبابي. وهي بلاشك ستدفع الشباب إلى تطوير أفكارهم، والانشغال بالبحث عن مشاريع يكونون فيها هم القادة، بدلاً من الاعتماد والانتظار المستمر للوظيفة الحكومية، التي لا تؤمن مدخولاً يكفي اليوم لبناء مستقبل آمن. لهذا فإن فكرة فتح الباب أمام الشباب ليستقلوا بمشاريع مدرة للدخل هي فكرة ناهضة ومهمة، وتكشف عن تغيير حقيقي في تفكير الادارة التنفيذية.
كذلك، فإن تنويع مصادر الموازنة، وعدم الاعتماد على النفط وحده، ومنها استثمار الغاز المصاحب الذي يهدر بلا فائدة، سيمنح الحكومة فائدة متعددة الاتجاهات، لأن سوق الغاز اليوم تكاد تنافس سوق النفط، خصوصاً وأن اغلب دول أوروبا الصناعية، تعتمد على الغاز في الكثير من مفاصل حياتها. فضلاً عن ذلك، فإن إنهاء ملف الغاز المصاحب، له تأثيرات بيئية مهمة.
لهذا، فإن المستقبل يبدو واعداً أمام العراق إذا ما جرى توظيف الموازنة بشكل صحيح، مع وجود الثقة الدولية بالاستثمار فيه، والدليل أنَّ أهم شركتين لإنتاج مشاريع الكهرباء، وهما سيمنز الألمانية، وجي إي الأميركية، قد وقعا مع العراق عقوداً واعدةً للاستثمار في قطاع الطاقة الأحفورية والمتجددة. وهذه علامة إيجابية جداً، ستدفع بلا شك، كل الشركات العملاقة للتفكير بالاستثمار في العراق، كونه يمثل بيئة استثمارية مهمة ومتنوعة، ويمكن للذي يستثمر فيها أن يجني الأرباح الوفيرة.