حارث رسمي الهيتي
يحكى أن مشرفاً تربوياً وبدرجة حزبية كبيرة- أيام النظام الديكتاتوري السابق- كان في زيارة تفقدية لإحدى المدارس، اقتحم واحداً من الصفوف دون طرق الباب والاستئذان من معلم المادة حتى، متبختراً بزيه الزيتوني يلحقه بإذعان شديد مدير المدرسة، وجه المشرف سؤاله إلى المعلم الذي كان يقف امام السبورة عن مستوى التلاميذ في مادة العلوم، التي يقدمها فأجاب المعلم بأنه جيد جداً.
ولاختبار ادعاء المعلم سأل هذا «الزيتوني» تلميذاً عن اسم واحد من الطيور، اجاب التلميذ وبثقة عالية الفيل يا استاذ، صرخ المشرف عالياً بأن حماراً قبلك لم يخبرني بهذه الاجابة، قرعه بشدة وطلب منه احضار ولي أمره يوم غد إلى المدرسة، ووجه حديثه وتعليماته إلى مدير المدرسة، استدرك ووجه سؤاله إلى التلميذ مجدداً: أين يعمل والدك؟ قال التلميذ: ضابط مخابرات القصر، فما كان من المشرف إلا أن يتعجّل في تدارك الورطة التي وقع فيها فقال: شوف بابا الفيل اذا توكل على الله يطير!!
هذه الحكاية وغيرها الكثير قد تكون من نسج خيال هذا الشعب، الذي برع إلى درجة كبيرة في السخرية من ذلك النظام حتى وإن كانت هذه السخرية سراً وتحكى على نطاق ضيق على اعتبار ان للــــــ «حيطان آذان»، ولكن هي معبرة جداً عن الحالة، التي اوصلنا اياها النظام آنذاك من الخوف، حتى وإن كنا نتناقش في بديهيات مثل إن لا قدرة للفيل على
الطيران.
حرية التعبير عن الافكار والرؤى هي أهم ما جنيناه من تغيير النظام السياسي بعد العام 2003، وحتى هذه الفسحة من الحرية يراد لها أن تضيق وتتحجم بين فترة وأخرى، مرة بحكم الأمر الواقع دون ان نعرف الممنوعات حتى، والآخر يراد له أن يمر عبر قوانين وتشريعات بحجج مختلفة، ولكن يبقى جوهرها هو محاولات اسكات الصوت الأخر، الصوت غير المرغوب فيه، هذه الخطوات من شأنها أن تعيدنا إلى أيام الخشية من القصر، ولكن هذه المرة ستكون أقسى، فنحن سنخشى قصوراً
عديدة.