خائفة من المستقبل

اسرة ومجتمع 2023/03/16
...

أنا فتاة في التاسعة والعشرين، مثقفة، وتعليمي عالٍ/ ماجستير وملتحقة ببرنامج دكتوراه، طموحة ومجتهدة وأمتلك مواهب إبداعيَّة خاصة في الكتابة.

أسعى دوماً لتطوير نفسي، لكنْ لديَّ إشكاليَّة المخاوف التي بدأت تنتابني منذ سنتين تقريباً خاصة في فترة مرض الوالد؟ وهي ماذا عن مستقبلي؟ وكيف سأعيش؟ والتفكير بمصروفي الخاص ودخلي؟ وما هي الوظيفة المناسبة لي وكيف سأحصل عليها؟

علما بأني أبحث عن عملٍ ولم أجد حتى الآن، فضلاً عن أنني لم أتزوج بعد، لأنَّ كلَّ من تقدم لي كان غير مناسب. وبصراحة، أنا خائفة من العنوسة، فأنا أتقدم في السن وصار سنة لم يتقدم لخطبتي أحد. ولست نادمة على الأشخاص الذين سبقوا التقدم لأنهم ما كانوا إطلاقاً مناسبين من جميع الجوانب، الأمر الذي أثار في نفسي ألماً هل أنا لا أستحق؟ على الرغم من توافر مقومات كثيرة في شخصيتي وشكلي أيضاً.

كيف أتخطى هذه المرحلة العصيبة من حياتي من دون تأثيرها في طموحي ونفسيتي والوصول بسلامٍ لبر الأمان؟

أرجو المساعدة ولكم شكري.


ملاحظة: سررتُ جداً بعودة حذارِ من الياس الى جريدة الصباح 

الأخت صاحبة الرسالة:

مشكلتكِ الأساسيَّة هي أنك تعانين من القلق، ونوضح لجنابكِ بأنَّه لا يوجد أحدٌ منّا لم يعش خبرة القلق، وجميعنا يتذكر فترات ارتبطت بحالات قلق معتدل أو حاد. والقلق حالة إنسانيَّة، فكما وصفه أحد الباحثين: "إننا من دون القلق سننام جميعاً في أماكننا".

والقلق له فوائد، منها أنَّه ينبهنا حين نتعرض إلى مشكلة أو خطر، ويجعلنا نراجع الطبيب، ونتحسب لأمورنا الحياتيَّة. وبهذه المعاني يكون القلق استجابة تكيفيَّة. ولكنْ بينما يشعر الناس بالقلق لبعض الوقت، فإنَّ بعض الناس يشعرون به معظم الوقت.

هذا يعني أنَّ القلق يكون حالة صحيَّة وضروريَّة حين يكون بدرجة معتدلة لحالةٍ أو موقفٍ يستدعي ذلك، ويكون مضراً لصاحبه ومنكّداً لحياته حين يكون بدرجة حادة ومسيطرة، والحالة لا تستدعي أنْ يكون بهذا القدر.

أردنا أنْ نوضح لجنابك من هذه المقدمة أنَّ قلقك بخصوص الحالات التي ذكرتيها هو مشروعٌ، شرط أنْ يكون بدرجة معتدلة، وأنْ يخدمك في التحسّب لأمور حياتك. غير أننا لاحظنا أنَّك من النوع الذي يتغلب عنده "توقع الشر من أحداثٍ لم تقع بعد" وكأنك في حالة "إنذار" من أنَّ أموراً خطيرة ستقع، وتشعرين بأنك ضعيفة أمامها.

لنأخذ الخوف من العنوسة عندك، فأنتِ ما زلت في التاسعة والعشرين ومع ذلك تخافين من العنوسة كما لو أنك في التاسعة والثلاثين، في حين إنَّ الفرصة لا تزال أمامك لعشر سنوات قادمة. ثم أنك تضعين علامة ( = ) بين الزواج والحياة، في حين أنَّ الإنسان يمكن أنْ ينجز أعمالاً مميزة ويعيش حياة مستقرة من دون زواج.

وثمة مسألة لا تريحك ولكنْ ينبغي أنْ تدركيها، هي أنَّ طموح المرأة في مجتمعاتنا العربيَّة يقلل من فرص زواجها. بمعنى أنك حين تحصلين على الدكتوراه ستكون فرص زواجك أقل مما كنت في البكالوريوس، ليس بسبب العمر، ولكن بسبب الشهادة.

غير أنَّ الدكتوراه ستوفر لك فرصة أفضل وأضمن للزواج من شخصٍ لديه طموحٌ مثلك؛ أعني أنَّه بلغ الأربعين من العمر ولم يتزوج بعد.

أما مخاوفك بخصوص وفاة الوالد (أطال الله في عمره) والمرتبط بالجانب المادي من حياتك، فإنَّ المؤمن عليه أنْ يتقبلَ ذلك ويتحوطَ له. وأرى أنك تبالغين وتضخمين، مع أنك ستحصلين على الدكتوراه فكيف بالتي هي بوضعك ولا شهادة عندها؟

ويبدو لي أنك تقضين يومك بين العمل الروتيني والانشغال بأفكارٍ استباقيَّة لأحداثٍ لم تقع بعد. وأنَّ الشدّ العصبي لديكِ يؤثر في حالتك الفسلجيَّة والمزاجيَّة، لا سيما في شهيتك للأكل وشعورك بالمل.

عليه أنصحك بممارسة تمارين رياضيَّة بسيطة كل صباح وقبل الإفطار، والانشغال بعملٍ آخر غير الذي تقومين به عندما تعاود عليك أفكارك المقلقة، وخذي حبة ميلاتونين 5 ملغم قبل النوم عند الحاجة.

تحياتنا