عبدالله حميد العتابي
عاشت العلاقات العراقية السعودية اضطرابًا واضحًا وصل إلى حد القطيعة، عقب الاحتلال الأميركي للعراق في نيسان 2003، ويمكن ان نعزو ذلك في جزء منه إلى تبني المؤسسة الدينية المتشددة في المملكة العربية السعودية ومعظم رجال الدين المؤثرين في المملكة نهجًا متشددا تجاه النظام السياسي الجديد في العراق. ولا نغالي أن تلك الفئة قد خلقت رأيا عاما جمعيا سعوديا مناهضا للعراق الجديد
ويبدو أنه كان مؤثرا في أعلى مستويات السلطة في المملكة، فعلى سبيل المثال، صرح وزير خارجية المملكة الراحل سعود الفيصل خلال توجهه لزيارة واشنطن في عام 2004:»ان الولايات المتحدة الامريكية سلمت العراق على طبق من ذهب لايران»، ومن يطالع مذكرات السفير الامريكي الاسبق في العراق زالماي خليل زاد سيستنتج مدى رفض الملك الراحل عبد الله بن عبدالعزيز أي تقارب مع العراق، على الرغم من الضغوط
الأمريكية.
على الجانب العراقي فقد تأسس رأيا عاما جمعيا عراقيا معاديا للسعودية، غذته بعض الفضائيات على خلفية التفجيرات الارهابية والعمليات الانتحارية في العراق التي نفذها سعوديون غافلون عن حقيقة أن معظم هؤلاء السعوديين مطلوبون للاجهزة الامنية السعودية وخارجون عن القانون في بلادهم.
إن وصول الامير محمد بن سلمان إلى ولاية العهد ومن ثم رئاسة الوزراء في 27 ايلول من العام الماضي، قد اضفى طابعا رسميا على دوره الضمني بوصفه حاكما فعليا للسعودية، وإن اصلاحاته الاقتصادية والاجتماعية تعني تبدلا جذريا في سياسة المملكة تجاه العراق، فابن سلمان نجح إلى حدٍ بعيد في الحد من الخطاب الديني المتشدد في السعودية وتبنى توجهات جديدة لتحسين العلاقات بين البلدين، فعلى سبيل المثال تخلت المملكة عن خطابها السابق باتهام الولايات المتحدة في فشل سياستها في العراق والامتعاض من التدخل الايراني في الشأن العراقي، وأاصبحت السعودية واقعية في قراءتها للوضع في العراق، فما حدث في العراق قد حدث ولكن بالامكان تقليل أخطاره على المملكة، لذلك مدَّت المملكة قنوات التواصل مع جميع شرائح المجتمع العراقي واطيافه، لا سيما بعد أن حجم ابن سلمان الخطاب الديني المتشدد في المملكة.
ويمكن تفسير ذلك إلى طبيعة شخصية محمد بن سلمان، الذي يتطلع إلى بناء بلاده كقوة سياسية واقتصادية وليس دينية، ولعله قرأ الوضع الاقليمي جيدا، وان العراق الصديق سيساهم في تحقيق طموحاته، في حين أن العداء مع العراق سيخلق له مشكلات اجتماعية واقتصادية ولربما امنية.
فعلى الجانب الاجتماعي يمكن ان تكون تاثيرات العراق على المنطقة الشرقية في المملكة مؤذية للجانب السعودي، ولعلها ستسهم في تفكك استقرارالمجتمع السعودي
وتماسكه.
في حين يدرك ابن سلمان ان العراق قوة اقتصادية ولا سيما في حقل النفط وفي سوق الطاقة العالمية، وان التواؤم والتوافق بين البلدين ضرورة لا بد منها لاستقرار الاقتصاد السعودي؛ فسياسات نفطية مناقضة للتوجه السعودي ستلقى اضرارا كبيرة على المملكة، اما الجانب الامني، فلعل الحدود الطويلة بين البلدين بحاجة ماسة إلى تفاهم لقطع الطريق على اي جانب يحاول الاخلال بأمن المملكة، لذا لن يتاخر ابن سلمان في استقبال زعامات وطنية عراقية مثل سماحة السيد مقتدى الصدر وسماحة السيد عمار الحكيم في سنوات سابقة.
وبقي أن أقول، إن على العراقيين حكومة وشعبا استثمار السياسة السعودية الجديدة لما فيه خير الشعبين العراقي والسعودي.