صدمة «سيليكون فالي»

آراء 2023/03/18
...



 محمد شريف أبو ميسم 


لم تفلح تأكيدات الرئيس الأميركي جو بايدن وصناع السياسة المالية والنقدية في تهدئة الأسواق الأميركية، بعد انهيار مصرف وادي السيليكون، اذ إن هذا الانهيار صنع أزمة مضافة لأزمة الطاقة، التي أنجبتها العقوبات الأميركية الأوروبية على روسيا، على اثر اندلاع الحرب في أوكرانيا، والتي أفضت مبدئيا إلى ارتفاع في معدلات التضخم عالميا، فكان اللجوء إلى رفع نسب الفائدة، وهو اجراء روتيني، بهدف سحب جزء من الكتلة النقدية الصادرة وتقليل التداول للحد من ارتفاع الأسعار، إلا أن هذا الأمر مع ارتفاع أسعار الطاقة أفضى إلى “ركود تضخمي”، بمعنى انه أفضى إلى ايقاف عمل العديد من المشاريع الصغيرة والمتوسطة، بسبب ارتفاع كلف الانتاج ازاء انخفاض القدرة الشرائية للناس، فضلا عن انكماش معدلات الاستهلاك خوفا من القادم، وزيادة رغبة الاستثمار في المصارف مع ارتفاع نسبة الفائدة. 

وبمرور الوقت عانى أصحاب المشاريع من انخفاض الايرادات وارتفاع معدل النفقات، الأمر الذي دفع بالبعض منهم إلى سحب مدخراتهم من البنوك لسداد التزاماتهم، ومن هؤلاء أصحاب المشاريع في وادي السليكون، ومع ازدياد معدلات السحب من بنك وادي السليكون، جراء الكساد الذي أصاب منتجات هذه المشاريع، تعرض هذا البنك إلى معدلات سحب عالية من الودائع، حتى بات غير قادر على الايفاء بالتزاماته اتجاه المودعين، فذهب باتجاه بيع استثمارته في السندات، ومن أجل أن يفي بأسرع وقت بالتزاماته، اضطرت ادارة البنك إلى بيع هذه السندات بأقل من أسعارها، لضمان الحصول على السيولة النقدية، ومع تزاحم المودعين لسحب مدخراتهم، انهار هذا البنك الكبير والمهم في منظومة الصناعة المصرفية والقطاع المالي الأميركي.

الحدوتة لم تنتهِ عند هذا الحد، إذ إن لهذا المصرف استثمارات مشتركة مع مؤسسات مالية أخرى، وانهياره يسحب تلك المؤسسات ويزعزع من مكانتها، كما حصل في أزمة العام 2008 التي بدأت بانهيار مصرف “ليمان براذرز”، وسرعان ما انسحبت على المؤسسات المالية مثل قطع الدومينو تحت تأثير الضجيج الاعلامي. 

وفعلا انخفضت حاليا معدلات بيع أسهم البنوك في الاتحاد الأوروبي وأميركا وحتى في آسيا واستراليا، وعلى الرغم من التعتيم الاعلامي، وما سمي بالاجراءات “الحاسمة” لمعالجة المخاطر المصرفية المتكررة في الولايات المتحدة، والتي رحب بها صندوق النقد بهدف دعم الأسواق، فضلا عن تأكيدات مسؤولين أوروبيين بعدم وجود “خطر كبير” على المصارف الأوروبية.

إلا أن خسائر أسهم البنوك استمرت وما زالت مستمرة، الأمر الذي يرجح جديا الانزياح نحو اعادة النظر بأسعار الفائدة، وهذا الأمر اذا ما حصل فإنه سيعيد معدلات التضخم إلى خارج السيطرة، وربما يعيد التظاهرات إلى المدن الأميركية والأوروبية، في وقت شكل فيه التقارب السعودي الايراني تحت المظلة الصينية، صدمة للرئيس الأميركي بايدن، وصدمتان على الرأس توجع.