غيداء البياتي
وأي كلمات الامتنان تليق بتلك، التي كانت سببا بوجودي في هذا الكون، وما أزهد عبارات الشكر التي أنثرها فوق رأسها عرفانا بالجميل؛ «أمي» يا طالما سألت الله ألا أكون شاهدة موتها كوني لا أستطيع مواجهة مصاب أعظم من قدرتي على الاحتمال، عذرا يا صفوة الأهل والأصدقاء وصفوة الروح والفؤاد، إذا شكوت وجع فراقها لهذا اليوم، الذي يشهد عيدها المتداخل بعيد الربيع او ما يطلق عليه أخواننا الكرد بعيد «الشجرة»، فمنذ أن فقدتها لأكثر من سبعة أعوام وللحزن على شفتي طعمٌ آخر، لم يشغل مكانها في الفؤاد أحد وفي يوم الأم من كل عام أهدي لزهور العالم عطر أمي، فكلما استنشقت عطر الزهور تذكرت جبل الصبر والحنان وحضن الوالده الدافئ، لم أكن أعرف سر تعلقي الكبير بالازهار سوى أنها من بدائع خلق الله تعالى، وكنت أفكر مليا أن جمال وعطر تلك الورود قد يدوم موسما أو أياما، لكن حنان امي دائم لا يستوقفه موسم او مناسبة، فارتأيت أن أهدي للزهرة بعضا من عطر أمي الحنون، ولنفعل كلنا ذلك، إن كانت أمنا معنا أو أنها راحلة في عالم آخر، ألا يكفي أن الجنة تحت أقدامها، فمن المؤكد أن عطرها تتزين به الزهور.
على الرغم من أني فقدتها بعد أن ودعتها إلى مثواها الأخير لكن لا تزال لمسات حنانها تنقلني كما الاطفال من كف إلى كف، ومن صدر إلى صدر بمجرد أن استذكرها او يتراوى لي طيفها، فكيف لي أن أبخل على الحنونة بما تستحق من ثناء أو دعوات؟
ما حيلتي والكلمات حيث انشدها وحيث اطلبها تأبى وتخذليني، لأني أشعر أنها لا توفي حقها، ليس لأنها أمي، بل أقسم برب العزة أنها امرأة عراقية، نعم أنها تلك التي تميزت عن سائر الأمهات في العالم، بقوة عزيمتها وصبرها على متاعب الحياة ومصائبها ونرى شموخها يتسامى نتيجة الظروف المعيشية الصعبة والحروب وأعمال الارهاب التي جعلتها تكون الأم والأب في آن واحد، فهي من تحمل قلبها دوما وتهبه لثمرة كبدها، الذي ظل يتنفس ويعيش بدعائها وصلاتها.