نحو قانون للثقافات الوطنيَّة

آراء 2023/03/19
...

 حسب الله يحيى 

في العراق، قوميات وأديان ومذاهب وأعراق وطوائف شتى، لكنها جميعا تعاني من غياب أو تهميش أو عزلة عن المشهد السياسي والاجتماعي، وفي أحسن الاحوال، لا ينظر إليها إلا بوصفها (مكونات ) و(أقليات). ومثل هذه المفردات تؤكد التعامل معها على وفق هذا الأساس الثانوي في المجتمع العراقي، وما تشكله من عزلة أو تفريق أو اهمال.

وفي الوقت الذي كانت هناك مديرية للثقافة التركمانية إلى جانب مديرية للثقافة الكردية؛ لا نجد الآن سوى مديرية عاجزة وكسولة للثقافة الكردية في بغداد، ومديرية للثقافة السريانية في اربيل، تعاني من التهميش. 

في حين يفترض بوطن مثل العراق، يتخذ من الديمقراطية أفقا سياسيا؛ أن يكون الأكثر حرصا واهتماما وتركيزا ودعما للثقافات الوطنية مثل، التركمان، الايزيدية، الصابئة، السريان، الارثوذكس، الآشوريين، البهائيين، الشبك، الكرد الفيليين، المتصوفة الكنزسانية، الكاكائيين، وغيرهم.

كل هؤلاء وسواهم؛ هم من يشكل (الشعب العراقي)، ولا يمكن عزلهم أو سلب حقوقهم القومية والمذهبية والدينية، وفرض ارادة الاسلام الحنيف ولا الهوية العربية عليهم.

إن لكل مجموعة من هؤلاء قناعاته ومبادئه وايمانه، ولا يصح أبدا إلزامهم بما نحن عليه من وعي وارادة ورؤية، فمثل هذا الالزام سيتحول إلى طغيان وتعسف وظلم، وهذا ليس من شيم الانسان ولا التوجهات الفكرية ولا الممارسة السياسية، ولا الإسلام الحنيف ولا العربية النبيلة.

ولكي نكون منصفين ونعمل بموازين الحق والعدل والانصاف والديمقراطية كذلك، فإن الامر يتطلب أن يتمتع كل هؤلاء بكل الحقوق التي يتمتع بها اي مواطن عراقي، سواء كان مسلما عربيا، أو لا يتمتع بكلا الصفتين: دينا ولغة؛ وانما هو عراقي، وجذره الاصيل في هذا الوطن وليس سواه من الأوطان.

وما دمنا نحترم كل الاعراف والتقاليد الذي تمارسه هذه الفئات أو هذه الطبقات الاجتماعية؛ فإن من أول المواقف الوطنية؛ ايلاء هذه المجموعات الدينية والعرقية والمذهبية والقومية والمناطقية؛ حقوقها كاملة، حتى يتسنى لها الشعور الأمثل بالوطن والمواطنة، وأنها جزء أساسي يشكل (الشعب العراقي) ويتمتع بما يتمتع به كل مواطن، بعيدا عن النظر اليه بوصفه مواطنا من الدرجة الثانية لاعتبارات عددية ونسبة وتناسب.

العراقي مهما كانت هويته وانتماءه، هو مواطن من الدرجة الاولى في وطنه، ذلك أن الوطن الحقيقي والعادل، وطن ينصف أهله مهما كانت ألوانهم وافكارهم.. وبعكس ذلك لا نكون الا مجتمعا عنصريا وطائفيا ضيق الافق في التعامل مع الفئات الاخر من العراقيين.

كما أن منظور (الكوتا) الانتخابي في تمثيل المرأة برلمانيا هو الاخر يحمل الكثير من الحيف، وذلك بتغييب نصف المجتمع الذي يمثله الجنس الاخر، لمجرد أنه (أنثى). وهو أمر يحمل في طياته سلطة الرجل، وهي سلطة ثنائية/ قبلية/ قروية، وليست صيغة مدنية تقدمية، تحترم وتصون حقوق الآخر مهما كان جنسه ومذهبه ولغته ومنطقته.

من هنا نرى، أنه لا بد من سن قوانين تحفظ لكل عراقي خصوصيته في المواطنة السليمة والصحيحة، من دون تمييز على وفق اي صفة كانت، وأن تحظى كل هذه الفئات والقوميات والمذاهب بحرياتها وخطاباتها، التي تعبر عن وجودها، والتي يمكن أن تبدأ بمجلة (الثقافات الوطنية)، لكي تكون المنبر البكر، الذي يعلن حضورها، ومن ثم توسيع هذه (الالتفاتة) إلى اهتمامات واسعة و لى لغات وتقاليد ورؤى لكل فئة من هذه الفئات. 

أما أن نبقى على هذا (التهميش)، ولا يكون صداه إلا الإعلام العاطفي العابر والخطابات الجاهزة ؛ فإن مال كل هذه الفئات: الشعور بالعزلة والتهميش وحتى الرفض، وان تظل تحت جناح (العروبة والاسلام)، بدلا من حضور شخصياتها التي تؤكد وجودها الذي يميزها عن سواها.. ومن ثم شعورها التام أن هذا الوطن وطنها، وأن هذه الأرض أرضها، وأن الجميع يتمتعون بحرياتهم التي تحترم وتعتز وتتفاعل مع حريات الآخرين ولا تتقاطع معهم.. فنبض الوطن أقوى وأمتن وأرسخ وأبهى من كل تلك الرؤى السوداوية والسلفية الظالمة، التي تجد نفسها في منطقة الضوء لوحدها، بينما الآخر في الظل.

الكل تحت سماء وطن اسمه (العراق)، والكل في قلوب المحبة والنقاء يكون (الشعب العراقي)، وهذا ما ينبغي التركيز عليه والعمل من أجله.