ملائكة شياطين

آراء 2023/03/20
...

  سعاد الجزائري


السلوك الفردي في مكان عام أو داخل البيت لا علاقة له بتغييرات الوضع السياسي، الذي يؤثر عليه لكنه لا يصيغ شكله أو قالبه، فكل واحد منا له طريقته الخاصة في التعامل مع محيطه العائلي أو في المجتمع وفي عمله ايضا.


تبدأ خطوط شخصيتنا الاولى بالتشكل بتأثير من عائلتنا ومستوى الوعي داخلها، لأنها مدرستنا الاولى، وأنا الآن أقول مدرستنا الأكبر، لذلك ليس اعتباطا، عندما نمتدح شخصا يتمتع بأخلاق راقية نقول (لأنه ابن أصول  أو تربية أوادم  وعلى الأصول)، فما تزرعه العائلة من بذور خيرة تحصده خيرا والعكس صحيح، وعن أثر ما يتعلمه الفرد في طفولته قالوا: العلم في الصِغر كالنقش على الصخر.   مهما تغيرت الأنظمة على هذا الأنسان تبقى معاييره الاخلاقية ثابتة، لأنه لا ينجرف مع الأهواء، وانما تتحكم بسلوكه المعايير السامية والثابتة التي لا يحيد عنها، لأنه ابن أصول ونتاج تربية واعية.

إن صمام الأمان أو الانفلات عند كل انسان هو الضمير، الذي أن أيقظته كنت من فئة الأصول وأن دفنته تحت أهرام المصالح الشخصية، ستكون بدون أصول ولا ابن عائلة، بل ستنال عائلتك الذم بسبب موت ضميرك أو ركنه على رف المصالح.

الذي استفزني لكتابة هذا الموضوع هو فارق ما أراه هنا، وانا بالمستشفى، سلوك الكادر الطبي عموما وأخص بالذكر الكادر التمريضي، منذ أكثر من اسبوعين وأنا أراقب تعامل وكيفية عمل ملائكة الرحمة، كما يطلق عليهم، فهم يتحدثون مع المريض وكأنه طفلهم المدلل الوحيد. أحد الممرضين يطعم سيدة مسنة، يمسك بيدها ويقول لها: أنت اليوم تبدين جميلة ولكي تصبحي أجمل سأطعمك بيدي. هو يمتلك صبرا عجيبا، ولم تظهر على وجهه الهادىء علامات الملل أو الانزعاج، بل العكس لم تغادر الابتسامة وجهه. والاخرى تحتضن مريضة أنهارت بالبكاء، فتقضي معها نصف ساعة تحدثها عن أثر الوضع النفسي على العلاج، تتحدث معها بهدوء ملائكي. ومن باب المقارنة، ليس إلا، ذكرتني هذه المشاهد بما روته لي أختي في أحد المستشفيات العراقية، وعندما توفيت والدتي داخل المستشفى، جاءت إحدى العاملات مع الكادر التمريضي وقالت لعائلتي بالحرف الواحد: (يلّه يلّه بسرعة شيلوها لأن محتاجين السدية)، أحمد الله أني لم أكن معهم يومذاك. وعلى الرغم من مرور أكثر من عشرة أعوام على وفاتها لا ينسى أفراد عائلتي هذا الموقف الوحشي داخل مستشفى ضمت شياطين وليس ملائكة..

هذا السلوك المخزي، نابع من فرد  في مؤسسة لا تجيد أختيار كادرها، ومن قانون وضوابط لا تعاقب من يضع ضميره في جيب ويقبض الرشوة في الجيب الاخر، فالمتعارف عليه أن الفرد إن دخل مستشفى عليه أن يدفع الرشاوى للكادر التمريضي من بوابة المستشفى حتى وصوله للسرير، علما أنك احضرت مع مريضك شراشفه ومخدته وبطانيته، وأكثر المستلزمات المطلوبة،  بل حتى الأدوية ومواد طبية قد تصل إلى المعقمات والقطن، هذا خيار، اما الخيار الاخر فهو أن تدفع الملايين لتتعالج في مستشفى خاص، وهذا امر أقرب للحلم عند غالبية الأسر العراقية.