لأي غاية يُصَعَد ترامب الموقف مع إيران؟
قضايا عربية ودولية
2019/04/13
+A
-A
ترجمة/ انيس الصفار
في يوم الاثنين الماضي أقدمت ادارة ترامب على خطوة غير مسبوقة، إذ وصفت الحرس الثوري الإيراني بأنه «منظمة ارهابية اجنبية»، هذه الخطوة أشرت السابقة الأولى التي تستخدم فيها الولايات المتحدة هذا الوصف مع كيان تابع لدولة اجنبية. رغم اعتبار الولايات المتحدة إيران «دولة راعية للارهاب»، واستهدافها المصالح الإيرانية بسلسلة من العقوبات، يخشى الخبراء أن يؤدي هذا الوصف المحدد الى صب مزيد من الزيت على النيران التي تتأجج في انحاء شتى من منطقة الشرق الاوسط.
كان فيلق الحرس الثوري الاسلامي في مرمى واشنطن منذ أمد بعيد.
برز هذا الفيلق في اعقاب قيام الجمهورية الاسلامية في أيار 1979 كمؤسسة عسكرية موازية للجيش الإيراني القائم، بيد أن مؤيدي الثورة الاسلامية أبدوا ارتياباً في حقيقة ولائه آنذاك. خلال السنوات المضطربة التي تلت ذلك تطور فيلق الحرس حتى تحول من مجرد جماعات من الشباب المتحمسين الذين تنقصهم الخبرة الى «أقوى ضامن فرد لبقاء النظام»، كما كتب المؤرخ عباس أمانات، وهو اليوم يتمتع بنفوذ لا يضارع داخل إيران ومتغلغل بشكل فعلي في جميع القطاعات الاساسية للاقتصاد الايراني، وثمة من يقدر تعداد افراد هذه المؤسسة بأكثر من 10 ملايين فرد داخل إيران.
أما خصوم إيران، وعلى رأسهم الولايات المتحدة واسرائيل والانظمة الملكية في الخليج، فينظرون الى فيلق الحرس الثوري على اعتباره الاداة الرئيسة في يد النظام التي يمارس من خلالها نشاطاته المزعزعة للاستقرار في الشرق الاوسط، تلك التي وصفها الرئيس ترامب في احد تصريحاته بأنها «حملة الإرهاب العالمية». فيلق القدس، وهو الذراع التنفيذي الخاص للحرس الثوري في الخارج, يقدم الدعم سرّاً وعلانية لمجموعة كبيرة من التنظيمات التي تنشط في العراق ولبنان وسوريا. تنسب الولايات المتحدة ايضاً الى هذه المنظمة مصرع ما يقارب 260 أميركياً فقدوا حياتهم في اعمال تفجير منفصلة نفذت ضد المجمعات الاميركية في بيروت خلال عامي 1983 و1984.
دأب مسؤولو وصقور الادارة في واشنطن منذ وقت طويل على الاشارة الى نشاطات الحرس الثوري الايراني كلما أرادوا تبرير تحرك جديد من جانبهم لمواجهة ايران، ومن بين ذلك قرار ترامب بإلغاء الالتزام الاميركي بالاتفاقية النووية المبرمة في العام 2015 بين طهران والقوى الكبرى في العالم.
يقول «مارك دوبوتز» الرئيس التنفيذي لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، وهي مؤسسة فكرية مقرها واشنطن وتقود أجندة معادية لإيران: «من المناسب أن توصف أخطر جماعة ارهابية في العالم أخيراً بأنها منظمة ارهابية اجنبية، تلك الجماعة المسؤولة عن مقتل عشرات الالوف من الابرياء بدعم من موارد الدولة الضخمة وثروات النفط العظيمة.»
في رد على ذلك أعلن المجلس الأعلى للأمن القومي يوم الاثنين أن الولايات المتحدة «داعمة للإرهاب» كما وصم القيادة المركزية، التي تتولى تنفيذ العمليات الاميركية في الشرق الأوسط، بأنها «جماعة ارهابية».
هلل المؤيدون لما ينطوي عليه وصف ترامب للحرس الثوري من إدانة صريحة، في حين أشار آخرون الى المتاعب التي يمكن أن تثور الآن. قال ترامب ان هذا الاجراء سوف يوسع كثيراً شكل وأبعاد «ضغطنا الاقصى» على النظام الايراني، وبهذا وضع كل شخص أو كيان يمارس اعمالاً مع الحرس الثوري الايراني تحت طائلة المجازفة الصريحة. إلا ان شبكة المصالح والاعمال والعمليات السياسية الواسعة التي تحركها هذه المنظمة تضم اشخاصاً لا عد لهم ممن لا علاقة لهم بالحملات العسكرية التي ينفذها الحرس الثوري في الخارج. حتى منظمة ترامب نفسها (امبراطورية العقارات والاملاك التي تديرها عائلة الرئيس) كانت لها كما يقال شراكة عمل مع شركة في اذربيجان كانت تمارس غسيل الاموال للحرس الثوري الايراني.
تقول «هولي داغرس»، وهي زميل غير مقيم في مجلس الاطلسي: «هذه الستراتيجية، المسماة الضغط الاقصى، تثبت ان الأمر لم يول التعقيدات التي ستترتب على التسمية قدراً وافياً من التفكير، مثلاً أن الحرس الثوري لا يتألف من كتلة واحدة محددة المعالم، وكونه مؤلفاً من مجندين لا خيار لديهم سوى الانخراط في الخدمة.» وتضيف داغرس ان ذلك كان جزءاً من السبب الذي جعل مؤسسة الامن الوطني في واشنطن تعارض طويلاً اتخاذ هذه الخطوة.
استهداف البيت الابيض إيران يشي أيضاً بعمق العداء الآيديولوجي تجاه طهران، فهو لم يقدم على اجراءات مماثلة تجاه جهاز الاستخبارات العسكرية الباكستاني أو في أنظمة الخليج الملكية، التي تمد بالدعم والرعاية من خلال شبكاتها الخاصة جمهرة كبيرة من الجماعات المتطرفة التي تقطر من أيديها الدماء. يقول «جاكوب هايلبران» وهو محرر في موقع «ناشنال انتريست» :إن القرار الاخير «يحظى بالمناصرة والتأييد من قبل الثنائي الناري «جون بولتون» و»مايك بومبيو» (الأول مستشار ترامب للأمن القومي والثاني وزير خارجيته) وأن المحافظين الجدد يدفعون الرئيس «طوعاً أو كرهاً» نحو صراع جديد في الشرق الأوسط.
وصم الولايات المتحدة الحرس الثوري بهذا الوصف سوف يجهز، على أقل تقدير، على أي أمل ولو ضئيل لإصلاح العلاقات بين إدارة ترامب والجمهورية الاسلامية ويحفز الايرانيين على اتخاذ خطوة استفزازية مقابلة، كما سيجعل العودة الى الصفقة النووية (وهو ما تعهد بعض الديمقراطيين بفعله إذا ما فازوا في انتخابات العام 2020) شأناً شديد التعقيد صعب التطبيق.
هذا القرار، كما يقول الباحث الإيراني «تريتا فارسي» من «المجلس الوطني الإيراني الاميركي» وهي مؤسسة تسعى الى تحقيق صلات افضل بين الدولتين، سوف يغلق باباً آخر ممكناً لتصفية التوترات مع إيران بالطريق السلمي. يمضي فارسي مغرداً: «متى ما أغلقت الابواب وعدت الدبلوماسية في عداد المحال ستصبح الحرب أمراً لا مفر منه.»
تبقى إدارة ترامب تؤكد أنها لا تريد الحرب، وأن كل ما تبغيه من إيران هو تغيير سلوكها في المنطقة.
يقول محمد علي شعباني، وهو باحث من جامعة «أس أو أي أس» في لندن: إن البيت الابيض سوف يمنى بخيبة مرّة إذا كان يأمل من السياسيين والمنظمات ذوي النفوذ في دول مثل العراق ولبنان، الذين تربطهم بالحرس الثوري الإيراني وشائج وطيدة، أن يستجيبوا له ويغلقوا كل شيء فجأة.
يمضي شعباني مستطرداً: «إن كان هنالك اليوم من يعي بحق اللعبة بعيدة المرامي التي تلعبها إيران فهم ذوو النفوذ والقوة في بيروت وبغداد، وكثير من هؤلاء كانوا على تواصل وشراكة مع الجمهورية الاسلامية طيلة 40 عاماً. أما اولئك الذين يصدقون بأن «الضغط الاقصى» لعامين، أو حتى لستة أعوام إذا ما أعيد انتخاب ترامب، يمكن أن يحدد (ناهيك عن أن يفكك) هذه العلاقات فإنهم لا يكشفون عن شيء سوى جهلهم التام بطبيعة مجريات الاحداث في هذه المنطقة.»
إلا أن التفاوتات الطفيفة في السياسة ليست هي المشكلة الحقيقية. يقول «جاريت بلانك»، الذي كان مسؤولاً في إدارة الرئيس السابق أوباما: «أقصى ما يمكن ان تحققه هذه السياسية هو وضع إيران أمام تحدّ سخيف ومنحها الفرصة للظهور بمظهر الطرف الأكثر تعقلاً واتزاناً من خلال تجنبها التصعيد. أما الأسوأ فإنه المحاولة الهوجاء لتحريك أزمة تكون إدارة ترامب أعجز من أن تتعامل معها.»
إيشان ثرور/عن صحيفة واشنطن بوست