طرابلس: أ ف ب
يسعى الليبي يوسف جيرة البالغ 18 عاما، المولع بالتقنيات الحديثة، لتشجيع أترابه على إطلاق مبادرات في مجال التكنولوجيا لتحديث البلاد التي خنفت طويلاً إبداعات شبابها خلال عقود من العنف والديكتاتورية.
في منطقة السراج في غرب العاصمة طرابلس، شارك الطالب الشاب في مسابقة للروبوتات تنافس فيها نحو عشرين فريقاً مؤلفاً من علماء ناشئين ومصممي غرافيك هواة وغيرهم من المتدربين من جميع المناطق، في هذا البلد المقسم بعد سنوات من الحرب وعدم الاستقرار في أعقاب ثورة 2011.
وقال يوسف جيرة "هدفنا توجيه رسالة إلى المجتمع بأسره بأنّ ما تعلّمناه قد غيّر الكثير من الأشياء فينا".
وشهدت ليبيا على مدى أكثر من عقد صراعاً متقطعاً منذ أن أطاحت ثورة عام 2011 بدعم من حلف شمال الأطلسي بالزعيم معمر القذافي، وسط نزاعات شاركت فيها ميليشيات مختلفة وقوى أجنبية، وتنافس بين حكومات متعددة على النفوذ في البلاد.
ومنذ إسقاط نظام القذافي قبل أكثر من 11 عاما، تتنافس حكومتان على السلطة، إحداهما في العاصمة طرابلس (غرب) معترف بها من قبل الأمم المتحدة، والأخرى في سرت (وسط) بقيادة رجل شرق ليبيا القوي، المشير خليفة حفتر.
عكس السياسيين الليبيين
على عكس السياسيين الليبيين، عمل المشاركون الشباب في المسابقة معاً في صالة الألعاب الرياضية في المدرسة حيث أقيمت المنافسة في الهواء الطلق، بحضور مشجعين أتوا لدعم فرقهم على وقع أغنيات حماسية بالإنكليزية.
وقال جيرة إنه اكتسب مهارات جديدة وتعلّم أصول العمل الجماعي لتحقيق هدف مشترك.
وأبدى محمد زايد، منسق هذا الحدث، اقتناعه بأن مثل هذه المبادرات قد يفتح "آفاقاً جديدة" لليبيا "لا تقتصر على الروبوتات".
وقال بعد كلمة الافتتاح أمام مدرجات امتلأت بتلامذة المدارس الثانوية وعائلاتهم وكذلك بعض المسؤولين،"هؤلاء الشباب اضطروا أيضاً إلى إدارة العلاقات بينهم والعمل من أجل الاندماج والوحدة والسلام".
صناعة المستقبل
بالنسبة لمحمد زايد، فإن الأمر يتعلق قبل كل شيء بـ "إعداد العمّال للمستقبل ورفع الوعي في الدولة بأهمية التكنولوجيا والابتكار".
خارج الاستاد، يقدم نحو عشرين فريقاً روبوتاتهم الصغيرة، ما يسلط الضوء أيضاً على قدرة التكنولوجيا على تسهيل الاندماج، في مجتمع محافظ للغاية، للفئات المهمشة في كثير من الأحيان مثل النساء أو المهاجرين أو الأشخاص ذوي الإعاقة.
شرعت شدروان خلف الله (17 عاماً)، في هذه المغامرة، ورأت في التكنولوجيا وسيلة تساعد على إيجاد حلول لتحديات المناخ والصحة، ولكنها أيضاً طريقة لمساعدة الفتيات على تعزيز دورهنّ في المجتمع.
وقالت "أنشأنا هذا الفريق لمساعدة المجتمع على التطور ولنظهر أننا موجودون"، وذلك خلال توزيع ملصقات تحمل شعار "التغيير".
وترى أستاذة علوم الأحياء والفيزياء والكيمياء نجوى عبد الغني، وهي مدرّسة أحد الفرق المشاركة، أن التكنولوجيا ستساهم في تطوير البلاد و"تحسين صورتها".
بعد 42 عاماً من الديكتاتورية في عهد معمر القذافي، شهد الليبيون اثني عشر عاماً من الأزمة السياسية تخللتها أعمال عنف بين المعسكرين المتنافسين.
ويأمل السكان حالياً أن يسمح الهدوء النسبي في الأشهر الأخيرة بالتفكير في تنمية البلاد.
"ليبيا لا ينقصها شيء"
وتؤكد نجوى عبد الغني التي درست في بريطانيا، لوكالة فرانس برس "نميل إلى تلقي هذه الأفكار من الخارج ونسأل أنفسنا (لماذا لا نطورها بأنفسنا هنا؟)".
وتؤكد الحكومة أن شؤون الشباب والتكنولوجيا تشكل محوراً رئيسياً في خطتها التنموية من خلال "مبادرات جديدة" للرقمية والاتصالات واقتصاد المعرفة والتدريب، وحتى "المدن الذكية".
وتشهد ليبيا منذ سنوات طفرة كبيرة في اهتمام الشباب بمجال صناعة الروبوتات الواعدة.
وقال المتحدث باسم الحكومة في طرابلس محمد حمودة خلال الحدث إنّ "ليبيا لا ينقصها شيء، لا الموارد البشرية، ولا الذكاء، ولا عزيمة الشباب".
لكنه استدرك بالقول "ما نفتقده هو استدامة الاستقرار الذي تتمتع به ليبيا اليوم، بالإضافة إلى رؤية استراتيجية لدعم الشباب".