السياسة والمصالح الإقليمية

قضايا عربية ودولية 2023/03/20
...

علي حسن الفواز


زيارة وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو إلى مصر، تفتح نافذة جديدة لحوار سياسي "تصالحي" بين الدولتين بعد قطيعة امتدت لأكثر من عشر سنوات، قامت خلالها تركيا بقطع علاقتها الدبلوماسية مع مصر تعبيراً عن انحيازها إلى اعتبارات موقفها الأيديولوجي

لم تعد السياسة تعني فن إدارة المصالح فقط، بل أضحت تعني فن السيطرة على "المخاطر" إذ يعيش العالم اليوم رعب تغوّل تلك المخاطر، حتى بدت وكأنها أكثر تهديداً للمصالح، وبهذا يسعى السياسيون المحترفون إلى تطوير برامجهم وتحسين أدواتهم، لكي ينظروا للعالم بعيون برغماتية 

خالصة.

ما يجري بين تركيا ومصر من مقدمات للحوار السياسي الأوسع، يتجاوز حدود المصالح التقليدية، إلى البحث عن مشاركة إقليمية، تقوم على متابعة تلك "المخاطر" التي يعيشها العالم اليوم، وعلى مقاربة طبيعة التحديات الدولية التي وضعت الجميع إزاء صدمات سياسية واقتصادية وأمنية وبيئية، لاسيما بعد أحداث الزلال التركي المُدمر، وأزمات الطاقة والغذاء، وتفاقم العُقد الجيوسياسية في حرب أوكرانيا، وآخرها انهيار النظام المصرفي في عدد من البنوك الأميركية وانعكاس ذلك على اقتصاديات الدول الأخرى.

زيارة وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو إلى مصر، تفتح نافذة جديدة لحوار سياسي "تصالحي" بين الدولتين بعد قطيعة امتدت لأكثر من عشر سنوات، قامت خلالها تركيا بقطع علاقتها الدبلوماسية مع مصر تعبيراً عن انحيازها إلى اعتبارات موقفها الأيديولوجي، والتضامن مع الاخوان المسلمين الذين فقدوا سلطتهم بعد التغيير العسكري الذي أطاح بحكومة محمد مرسي.

هذه الزيارة، وإن كانت تمثل تمهيداً للقاء رئاسي بين الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، والمصري عبد الفتاح السياسي، إلّا أنها تعكس الحاجة إلى إيجاد بيئة سياسية تضمن المصالح، وتقلل من "المخاطر" وإلى مقاربة واقعية لما يحدث في المنطقة، وفي العالم من صراعات ومن أزمات، قد تُنذر بكوارث كبيرة، وهو مايعني إتاحة المجال للعقل السياسي لأن يتجاوز حدوده الأيديولوجية الضيقة، ليكون أكثر مرونة، والقبول بالحوار، والتعاون في التعاطي مع ملفات أمنية وسياسية واقتصادية معقدة، وعلى نحوٍ يُعيد ترتيب الكثير من المحطات في الشرق الأوسط.

تصريحات أوغلو تكشف عن تلك الرغبة، وعن وجود إرادة وتوجيهات سياسية لإطلاق مسار للوصول إلى التطبيع الكامل للعلاقات بين البلدين، وهي ما تعني فتح آفاق جديدة، واعادة حسابات المصالح والمخاطر بقياسات السياسة والأمن، وهي قياسات لا قوالب جاهزة لها، بل إنها ترتبط بالوقائع والتحديات التي تجري على الأرض، وعلى تفاقم الصراعات، ومدى تأثيراتها على الأمن الاقليمي والدولي.