طريق الحرير.. تاج الصلح السعودي الإيراني

آراء 2023/03/22
...

سناء الوادي


هل بات أعداء الأمس أصدقاء اليوم، هل الاتفاق الحاصل وليد اللحظة تبعاً للتطورات السياسية والعسكرية في كلا البلدين، هل ستحل كل الخلافات بين البلدين حقيقة وبشكل جوهري، أم أن ذلك مجرد تجميد للصراع لما يعود بالنفع عليهما، كيف سيكون صدى جلوس قطبيّ الإسلام بطرفي طاولة المفاوضات على الدول المجاورة ومن ثمّ على الحليف الستراتيجي، الذي رسخ الخلاف وشحنه على مدى سنين مضت ألا وهو أميركا، وكيف سيكون وجه إسرائيل طفلة الأخيرة المدللة، بعد أن أوجعتها هذه الصفعة، من المستفيد الأكبر من هذا التقارب بين الجارتين؟

 

تابع المحللون بل والمهتمون بشؤون السياسة في الأيام الماضية الحدث المهم، الذي قد يغير وجه المنطقة الجيوسياسي في المستقبل إذا ما تم على الوجه الأكمل، فقد أٌعلن أخيراً عن إعادة العلاقات الدبلوماسية بين إيران والمملكة العربية السعودية خلال شهرين من الآن بعد خصامٍ دام لثماني سنوات مضت، البعض تناول الخبر بكثير من التفاؤل، بينما البعض الآخر تحفظ على التداعيات الناجمة عنه المتمثلة بالحبر المنسكب على الورق فقط، ليذهب غيرهم إلى أبعد من ذلك فيخوض في كفة ميزان الربح والخسارة الراجحة لأحد الطرفين على حساب الثاني، بيد أنه يخيم على الأجواء العامة ضبابية اكتمال هذا المشهد حتى النهاية في ظل العراقيل، التي تضع أطرافاً إقليمية كنقاط اختلاف أساسية بين الدولتين كالذراع الحوثي لإيران في اليمن المهدد للاستقرار السعودي وقرب امتلاكها للسلاح النووي، ناهيك عن لب الخلاف وهو الصراع الإيديولوجي.

على الرغم من كل ذلك فوجود الصين كدولة راعية لهذا الصلح الستراتيجي يعني بالضرورة، أنها ستعمل جاهدة بكل ما أوتيت من الحنكة الدبلوماسية لضمان إتمامه بما فيه من السلام والهدوء في منطقة الشرق الأوسط، باعتبارها الشريك الاقتصادي الأكبر مستقبلاً والجزء الأساسي من مشروع طريق الحرير، هذا المشروع الريادي الذي سيتيح للصين قيادة القاطرة الاقتصادية للعالم، إذاً فالمستفيد الأكبر من تقارب دفتي الخليج العربي في الحقيقة هو التنين الصيني، الذي سينفخ نار النهوض التنموي وما يعقبه من شراكات عسكرية أمنية على طول خط الدول الممتد عليها طريق الحرير لتأمينه وازدهاره.

وفي السياق ذاته من الحتمي الإشارة أن بكين قد قطفت جهود العراق الراعي لخمس جولات سابقة لمقاربة وجهات النظر بين البلدين، وهو ما مهّد للفرصة الذهبية التي انتهزتها الصين وقدمت نفسها كقوة عظمى تنهي الصراعات وتضرب أميركا عدوها الأول في عمق مناطق نفوذها، فقد صرّحت بأنها ستلعب دوراً بنّاءً في حل القضايا الخلافية العالقة، وفي سياق متصل فالرئيس شي جينبينغ قد أجرى مكالمة فيديوية مع الرئيس الأوكراني زيلينسكي للوساطة في إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، التي أوضحت للعيان مدى التراجع لدور الولايات المتحدة في المنطقة والتي رسخت منذ زمن الصراع بين السعودية وإيران لتنصب نفسها كحامية للعرب في ظل تفاقم الخطر النووي والعسكري للأخيرة، فزادت من صفقات بيع أسلحتها وضمنت النفط العربي، وهي على الدوام تخدم مصالحها أولاً ثم ذراعها الخبيث المحتل لفلسطين، لتشكل الأيدي الممدودة بين الجارتين ثقلاً سيكسر ظهر الشيطان وابنه، إذا ما تتوج إعادة العلاقات الدبلوماسية بإنهاء جميع النقاط الاختلافية من قائمة كلا البلدين، وأن لا يكون ذلك كهدنة مؤقتة أو كتجميد للصراع عند المرحلة التي سيتوقف فيها.

وبالتأكيد فإن روسيا والصين الحلف الشرقي المواجه للحلف الغربي بقيادة أميركا دخل إلى المنطقة العربية من ذات الحفرة التي حفرتها واشنطن لإيقاع الشرق الأوسط في الأزمات اللامتناهية، وهنا سيكتمل الحلم الروسي بتشكيل حلف صيني إيراني خليجي موالٍ لها، ما يعني ذلك دعم القوة المتزايدة لمجموعة البريكس والتي من المتوقع انضمام السعودية والإمارات ومصر لها قريباً.

 على أي حال وبغض النظر عن المستحوذ على حصة الأسد من النفع فمن المؤكد أن كل الأطراف رابحة والخاسر الوحيد هو الكيان الصهيوني المحتل، مزيداً من الاستقرار يعني مزيداً من التقدم وحجز مكان ستراتيجي للشرق الأوسط ككل في النظام العالمي الجديد متعدد الأقطاب.