البريطانيون نادمون على {بريكسيت}

بانوراما 2023/03/23
...

 إليوت سميث

 ترجمة: مي اسماعيل

بعد نحو سبع سنوات وأربعة رؤساء وزراء منذ تصويت المملكة المتحدة على مغادرة الإتحاد الأوروبي، كشفت الاستطلاعات ان المشاعر العامة تحولت ضد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي "بريكسيت".

في أحدث استطلاع اجرته مؤسسة "يوغوف-YouGov" ونشر الاسبوع الماضي، قال 53 بالمئة من البريطانيين ان بلادهم كانت مخطئة بمغادرتها الاتحاد الأوروبي، مقابل 32 بالمئة ما زالوا يؤمنون انه كان التصرف الصحيح. 

وأشار استطلاع  منظمة "ابسوس-Ipsos" مؤخرا إن 45 بالمئة من الجمهور يرى ان بريكسيت جعل حياتهم اليومية أسوأ، مقابل 11 بالمئة قالوا إن حياتهم تحسنت بعده. أما استطلاع  "فوكالداتا-Focaldata" و"أنهيرد-UnHerd" نهاية العام الماضي لنحو عشرة آلاف بريطاني فوجد إن 54 بالمئة منهم أما "يتفقون بشدة" أو "يتفقون نوعا ما" مع عبارة ان.. "بريطانيا كانت مخطئة بمغادرة الاتحاد الاوروبي". وصلت نسبة الذين يتفقون قليلا أو يعارضون العبارة الى 28 بالمئة. وفي الدوائر المستطلعة  وعددها 632 في انكلترا وويلز واسكتلندا، لم توجد سوى واحدة رفض سكانها بالغالبية تلك العبارة، وهي دائرة "إيست ميدلاندز" الساحلية لبوسطن وسكيغنيس، والتي صوتت أيضا بأعلى نسبة على خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي عام 2016.  

من المتوقع ان يكون الاقتصاد البريطاني الاسوأ أداءً بين دول مجموعة العشرين خلال العامين المقبلين، بينما أدت أزمة تكلفة المعيشة والاضطراب السياسي إلى تفاقم صداع حكومة المحافظين. يتخلف حزب المحافظين الذي ينتمي اليه رئيس الوزراء "ريشي سوناك" الآن بنحو عشرين نقطة عن حزب العمال المعارض في استطلاعات الرأي قبل انتخابات سنة 2024. 


تغير المنظور

يرى "أناند مينون"، مدير ابحاث "مبادرة تغيير أوروبا" (منظمة بحثية مستقلة- المترجمة) إن هناك تغيُرين اساسيين في منظور الجمهور البريطاني تجاه بريكسيت، قائلا: "الأول- العدد المتزايد من الاشخاص (وبضمنهم من أيدوا المغادرة) الذين يقولون الآن اعتقادهم ان الحكومة تعاملت بصورة سيئة مع بريكسيت، أي بمعنى القول انهم يرون الموضوع فشلا من الحكومة. والثاني- العدد المتزايد من مصوتي المغادرة وغيرهم الذين باتوا يرون بريكسيت ذا آثار اقتصادية سلبية". هذا ظهر في أحدث استطلاع مؤسسة "يوغوف-YouGov"، الذي وجد ان 68 بالمئة من المشاركين يعتقدون ان الحكومة تعاملت بصورة سيئة مع بريكسيت، مقابل 21 بالمئة فقط ممن قالوا أن المحافظين تعاملوا مع القضية جيدا. 

أعلن ريشي سوناك مؤخرا عن اتفاق جديد مع الاتحاد الأوروبي، بشأن ايرلندا الشمالية، وهي قضية مثيرة للجدل عن ترتيبات الانسحاب، والتي فرضت عمليات تفتيش على البضائع المنقولة عبر البحر الايرلندي من بريطانيا إلى ايرلندا الشمالية. يتعين الانتظار لنرى ما إذا كان هذا سيؤدي إلى تأرجح الكفة لصالح المحافظين على الإطلاق، لكن استطلاع "YouGov"  أشار إلى أن النادمين على تصويتهم بالمغادرة يمثلون سبعة بالمئة من جمهور الناخبين (باستثناء أولئك الذين لم يصوتوا). تشرح الجهة المنظمة للاستطلاع انه.. "كانت تلك النسبة أربعة بالمئة قبل العام 2019.. قد لا تبدو هذه التغييرات ضخمة، ولكن بالنظر لمدى ركود وجهات النظر حول عضوية الاتحاد الأوروبي منذ الاستفتاء، فإن هذا التغيير قد يكون مؤثرا. أما الذين صوتوا للمغادرة، والآن غير واثقين انه كان القرار الأمثل فيمثلون الآن نحو أربعة بالمئة من الناخبين، ما يجعل النسبة الكلية للمصوتين للمغادرة، ممن لم يعودوا يعتبرون صواب قرار الانسحاب بنحو واحد من كل تسعة مصوتين (أي 11 بالمئة)". لاحظ مينون انه للمفارقة، بدأ قرار بريكسيت يؤثر سلبيا في الاقتصاد منذ مطلع عام 2020، بعد وقت قصير من مغادرة الاتحاد الأوروبي، لكن ذلك التأثير كان محجوبا بفعل تداعيات وباء كورونا. أوضحت المصالح التجارية المختلفة، من المزارع ومصايد الاسماك الى صناعة السيارات والادوية، الصعوبات التي واجهتها كنتائج مباشرة لبريكسيت خلال السنوات القليلة الماضية. الآن يرى مينون أن العكس هو ما سيجري، أي ان العديد من مشكلات بريطانيا الاقتصادية الحالية لا تعود في المقام الأول إلى خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي، لكنها تسلط الضوء مرة أخرى على آثاره الضارة، قائلا: "لا شك أن بريكسيت جزء من أسباب النتائج الاقتصادية الرديئة في بريطانيا، خاصة مقارنة مع سياق اقتصادات دول مجموعة السبع الكبرى الاخرى". ومضى قائلا إن العوامل طويلة المدى لعبت دورا، مشيرا أن ركودا طويلا في مستويات المعيشة، الناجم جزئيا عن سياسات التقشف التي أدخلتها حكومة رئيس الوزراء الأسبق "ديفيد كاميرون"، ساهم في الغضب الذي انطلق عبر مجتمعات الطبقة العاملة في التصويت على بريكسيت. 


إعادة تعريف "بريكسيت"

حاز رئيس الوزراء البريطاني الأسبق "بوريس جونسون" فوزا انتخابيا كاسحا عام 2019، بوعد ان.. "يُنجز بريكسيت"، مروجا لاتفاقية انسحاب "جاهزة للتطبيق" كان قد تفاوض بشأنها مع الاتحاد الأوروبي. وشهدت تلك الحملة الانتخابية المرشحين المحافظين المتشددين، المؤيدين لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يقلبون موجة من الدوائر الانتخابية السابقة لحزب العمال كانت أشبه بالجدار. يشير مينون أنه بعد ثلاث سنوات، هناك اليوم "إعادة تعريف" لعملية الانسحاب، من قضية ثقافية قائمة على قيم وحدت ناخبين كانوا قد اختلفوا بشدة حول الاقتصاد، إلى قضية اقتصادية في المقام الأول، موضحا: "هذا يمثل مشكلة بالنسبة للحكومة، لأن تحالف خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ذاك الذي جمعه بوريس جونسون كان متحدا بشأن القضايا الثقافية، ولكنه منقسم جداً بشأن الاقتصاد، لذلك لا يمكنه الاستجابة بطريقة فعالة ومنسقة، ونرى ذلك في حزب المحافظين البرلماني. هناك معارك حول قضايا كانت أغلب الاحزاب السياسية في الماضي متحدة عليها بشكل أساسي، أي: أساسيات الاستراتيجية الاقتصادية". 

اضافة لذلك، لم يعد بريكسيت في مقدمة أفكار أغلب الناخبين، إذ كشفت الاستطلاعات الاخيرة ان "خدمة الصحة الوطنية" نالت الاهتمام الاكبر لديهم، إذ سجلها نحو 42 بالمئة من المشاركين. كما احتل الاقتصاد والتضخم (الموضوعان اللذان هيمنا على الساحة خلال العام الماضي) مسجلين 37 و36 بالمئة على التوالي. في كانون الثاني 2019، حين أجريت الانتخابات العامة الأخيرة، كان خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قضية رئيسية بالنسبة لنحو 72 بالمئة من الناخبين، وهو أعلى مستوى اهتمام جرى تسجيله منذ أيلول 1974. وبحلول تشرين الاول 2022، انخفضت النسبة إلى ستة بالمئة. جرى ربط قضايا مثل النقص الأخير في الخضار ببريطانيا وارتفاع أسعار المواد الغذائية بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من قبل المعلقين السياسيين البريطانيين والمشرعين ذوي ميول معينة. يرى مينون إن مناصري بريكسيت قد يحاولون استلال ذات الارتباط السببي إذا تعافى الاقتصاد في غضون ثلاث سنوات، حتى لو كان ذلك فقط من حيث ما يشعر به الناس يوما بعد يوم، قائلا: "لا توجد علاقة سببية بين الاثنين بالضرورة، بقدر عدم وجود علاقة سببية وثيقة وحتمية بين أزمة تكلفة المعيشة وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. لكن الناس سيتعاملون مع الامر سياسيا، وسيكون من المثير للاهتمام، إذاً، أن نرى ماذا يحدث للرأي العام.. إذ ما زلنا في الأيام الأولى حتى الآن".