نهر نيروبي يلفظ أنفاسه الأخيرة

بانوراما 2023/03/23
...

  ايفلين موسامبي

  ترجمة: بهاء سلمان

تقتات النسور على جثث الحيوانات النافقة عبر نهر نيروبي الذي تحوّل إلى قناة للصرف الصحي وسط العاصمة الكينية نيروبي؛ فمياهه النظيفة تتغيّر من الصافية الى الداكنة مع اجتيازه لتجمّعات سكنية عشوائية ومراكز صناعية.

يعبر النهر وروافده منطقة كيبيرا، المعروفة بحي الفقراء الأكبر في قارة أفريقيا، الذي يقطنه نحو مئتي ألف ساكن، علاوة على مساكن عشوائية أخرى. وتحاذي ضفتي النهر عشرات المعامل المنتجة للأنسجة والخمور ومواد البناء، والتي أتّهمت أغلبها من قبل نشطاء البيئة بطرحها لمياه الصرف الصحي وملوّثات أخرى، مثل النفط والبلاستك والزجاج، إلى المياه مباشرة.حاليا، تقول الحكومة أنها عازمة على تنظيف النهر. وتعد نيروبي أحد أسرع مدن القارة السمراء تطوّرا، وتكافح من أجل موازنة الاحتياجات لخلق فرص عمل وحماية البيئة من التلوّث. وشكّلت الحكومة هيئة مفوّضة بتنظيف واستعادة حوض النهر؛ ولم يعلن عن موعد لإنجاز جميع الأعمال لغاية الآن، ولا عن تخصيص أموال. ويخشى الخبراء والسكان المحليون من إضرار المياه بنباتات الحقول المجاورة التي تطعم السكان. وتساعد منظمات مجتمعية في تنظيف النهر، لكن العوائل القاطنة في الضاحية المزدحمة مع مجرى نهر "أثي"، التي تبعد 19 ميلا عن مركز العاصمة، يشيرون إلى عدم إمكانية الاعتماد بعد على مياه النهر للاستخدامات الأساسية.

تستخدم "اني ندوتا"، 25 عاما وأم لطفلين، مياه النهر الداكنة لغسيل ملابس أطفالها الصغار بيديها، وتقول: "عندما يهطل المطر، سيكون نهر أثي عادة مليء بالقاذورات، وعندما ينظف قليلا، نستخدمه لغسيل الملابس. لكن مع استمرار موسم الجفاف، تشتد قتامة لون المياه ونضطر لشراء مياه الآبار الغالية الثمن."


مشكلة مركّبة

تبدأ مشكلات هذه المرأة مع أعلى النهر، حيث توجه مساكن عشوائية بعض خطوط الصرف الصحي مباشرة إلى نهر نيروبي. ويشير خبير البيئة "ستيفن أوبيرو" أن مياه المجاري التي تصب في نهر يستخدم لري المزروعات يمكن أن تسبب "التلوّث للمنتجات الزراعية بالبكتيريا والفايروسات وغيرها إذا لم يتم التعامل معها بشكل صحيح من قبل المستخدمين النهائيين."

يزرع "موريس موتونغا" نباتات الكرنب والسبانخ والقطيفة في حقله البالغ مساحته خمسة هكتارات بمنطقة نهر أثي، لكنه شاهد محاصيل مثل الفاصولياء الخضراء وهي تذبل حينما تسقى بمياه النهر، ويقول: "أتمنى على أولئك الملوّثين لمنطقة أعلى النهر التوقف عن ذلك لأجل أمن بلادنا الغذائي، لأن المنطقة تعد مصدرا للعديد من الخضراوات المباعة في أسواق العاصمة." أعلى النهر، لا يتمكن بعض سكان العشوائيات، مثل "فايوليت أهوغا"، 36 عاما وأم لأربعة أطفال، على دفع تكاليف استخدام مراحيض عصرية، لذلك فهم يستخدمون أكياسا ويرمونها في النهر. تقول فايوليت: "أطفالي صغار جدا وليس بمقدورهم الذهاب إلى الاحراش لوحدهم، فنضطر لاستخدام الاكياس ورميها لاحقا في النهر، ونعلم أنه تلويث للنهر، لكننا لا نملك وسيلة أخرى، ونعجز عن توفير مبلغ سبعة دولارات تقريبا كل شهر كرسوم للمراحيض." ويتم إدارة المراحيض في المنطقة من قبل أفراد ومنظّمات.

أغلب مناطق العشوائيات، المحتضنة للعمال الكادحين وعوائلهم، غير مرتبطة بخطوط مياه المجاري، ولديها قنوات مفتوحة يسكب بها الساكنون مياههم القذرة لتتدفق نحو النهر. لكن فايوليت تعتمد أيضا على مياه النهر لكسب دخلها اليومي، فهي تستخدمها لغسل الأكياس البلاستيكية، التي تبيعها إلى متاجرين يقومون بتصنيع سلال قابلة لإعادة الاستخدام منها. ومع رشها للمياه الداكنة على الأكياس وفركها بأقدامها، تتذكر بمشاعر ملؤها الحنين كيف كانت تسبح في النهر حينما كانت طفلة صغيرة.


ملاحقة نيابية

ووجه بعض البرلمانيين الكينيين تهما لسلطة إدارة البيئة بالتراخي، لأنها مسؤولة عن معايير جودة مياه النهر وإصدار رخص طرح الفضلات، وتفاقم حجم تلويث المصالح التجارية للنهر. ومنها مصانع الأصباغ والألبان والبطاريات الحامضية المستخدمة لمادة الرصاص، ومصانع أخرى. سابقا، تم إغلاق بعض المعامل لتلويثها النهر. وتم اكتشاف مستويات مرتفعة من المعادن الثقيلة، مثل الرصاص والباريوم والحديد والألمنيوم والزنك والنحاس وغيرها، من قبل منظّمات بحثية متعددة، بضمنها قسم الصحة العامة وعلم السموم التابع لجامعة نيروبي.

ويقول "اليكس اوكرو"، خبير الصحة العامة من جامعة نيروبي، أن المستويات المرتفعة للمعادن الثقيلة، وخصوصا الرصاص والباريوم، ممكن لها التسبب بتأثيرات صحية مثل تلف الكبد والكلية إذا تم استهلاكها، داعيا إلى اجراءات ضرورية لتقليل إطلاق هذين المعدنين في البيئة." وأثناء جلسة استماع برلمانية سنة 2021، أتّهمت سلطة إدارة البيئة بعدم تحركها ضد مصنع للتقطير بعد شكوى السكان من إطلاقه المخلفات الثقيلة إلى نهر أثي. وفي مقابلة معه، أقرّ مدير السلطة "ديفد اونغار" بملاحقة بعض الكيانات هذه الأيام، غير أنه عزا السبب إلى تغيير الحكومة لمنهجها بتشجيع التعاون بدلا من أن تكون عدائية، الأمر الذي ربما يؤدي إلى التمرد. وأشار إلى أنه منذ تطبيق التغييرات، تقدّمت المصالح التجارية بطلب المساعدة للامتثال لتوجيهات السلطة، وأضاف: "تكلفة عدم الامتثال تعد هائلة للغاية، لأنه إذا تم إغلاق معملك، ستكون قد خسرت زبائنك ومساهمتك في السوق مع وقت عودتك إلى الإنتاج."