كأس العالم

الصفحة الاخيرة 2023/03/23
...

حسن العاني



مثل عانسة لا تغادر المرآة، اتخذت لي مقعداً أمام التلفزيون لا أغادره، وخضعت لسطوة أحفادي الزعاطيط، أقلدهم وأتصرف كما يتصرفون بدلاً من أن أكون القدوة.. لعلني كنت معذوراً، فالكل من حولي مصاب بانفلونزا المونديال، وليس لدى أحد منهم متسع من الوقت لسماع توجيهي.. ولكوني لست عجوزاً تقليدياً، وانحدر من أبوين ديمقراطيين بالولادة، فقد تركتهم يعبرون عن فوضويتهم الخلاقة، وأنا معهم أملأ المكان صراخاً وعياطاً حتى بدون سبب، ومع ذلك اكتشفت بأنني عجوز فاشل، حيث كنت أنفعل وأصفق بالحماسة نفسها كلما سجل هذا الفريق أو ذاك هدفاً، وهذه أسوأ طريقة في التشجيع، لأن الصواب كما فهمت من انزعاجاتهم هو أن يكون المشجع منحازاً إلى فريق واحد، تماماً كما يجري في العمل السياسي، أي أن تكون مع هذه الكتلة أو تلك حقاً أو باطلاً، بل حتى لو كان خصمك على حق مئة بالمئة، وجماعتك على باطل مئة بالمئة، فعليك الوقوف إلى جانب جماعتك وتشجيعها، ورمي الخصم بأنواع الحجارة والاتهامات والشتائم!! وهذا يعني أننا بعد أكثر من 14 قرناً ما زلنا نعمل بشعار (أنصر أخاك ظالماً أو مظلوما) على الطريقة الجاهلية!.

يجب الاعتراف بالمقابل أن متابعة المونديال أراحت رأسي بضعة أسابيع من الهموم الشخصية والعامة، إلا أن ثمة منغصات أجهضت متعتي، في مقدمتها أن العراق الذي يعد أغنى بلد في العالم من حيث امتلاكه لأعظم الثروات المعدنية والمائية والحيوانية والزراعية، وتعاقبت على قيادته أنظمة وحكومات ملكية وجمهورية ودكتاتورية وديمقراطية وليبرالية ودينية، مثلما تعاقب على حكمه رؤساء نزيهون، وحرامية، وشرفاء، وقتلة.. ألخ، لا يمتلك مثلاً أربعة ملاعب أو ثلاثة عليها العين، تستحق أن نباهي بها نحن أحفاد جلجامش وحمورابي ونبوخذ نصر وعبد الجبار عبد الله وطه باقر وعمو بابا..

بعيداً عن هذا الحزن الوطني، فإن أكثر ما أزعجني في كأس العالم ومتابعة المونديال هو سوء التحكيم – على رأي أحفادي – فلأول مرة في تاريخ كؤوس العالم يحدث مثل هذا الكم من الأخطاء الفادحة فهناك – كما زعم احفادي – أهداف تلغى وهي صحيحة، وأهداف تحتسب وهي غير صحيحة وتسللات من غير صافرة وصافرات من غير تسلل، ومنتخبات صعدت وكان عليها المغادرة مبكراً، ومنتخبات غادرت مبكراً وكان عليها الصعود!.

لا أخفي عجبي وعظيم دهشتي – بعد الذي سمعته من أحفادي – من الحكام في ساحة القدم، فهم يمتلكون من السلطة الدكتاتورية المطلقة، ما لا يمكن تصديقه، لأن كلامهم واحد لا يصير اثنين، وبطاقاتهم الصفر والحمر أقوى من أي قانون وفوق أي قانون وقراراتهم قطعية لا تقبل الرفض ولا النقض ولا الاعتراض، وبمقدورهم السكوت على أعظم الأخطاء مثلما بمقدورهم طرد أي لاعب، مهما كان اسمه أو تاريخه.. بينما كنت أعتقد بأن مثل هذه السلطات الغريبة والمطلقة، حكر على رؤساء الحكومات في بلدان العالم الثالث فقط!.