حرب الإرهاب الصامت

آراء 2023/03/23
...

طالب سعدون

لا تكاد تخلو نشرة أخبار من موضوع عن المخدرات وجهود الدولة في القضاء عليها، ومتابعة حركة تجارتها والدخول في مواجهات مع تجارها وفي التعريف بوسائل التوعية والتبصير بمضارها.. فالدول على اختلاف أنظمتها وقوتها هي في حرب عالمية مستمرة مع المخدرات، وقد تكون أقسى انواع الحروب المدمرة للانسان والحياة...

حرب المخدرات حرب تشغل الأجهزة الأمنية والصحية والاجتماعية بواجبات إضافية يمكن أن تنصرف بها إلى مجالات اخرى..

ويخطئ من يتصور أن البطالة والفقر وحدهما كافيان للاصابة بمرض المخدرات الخطير.. فقد يكون ممن ابتلى به يعمل وله مورد مالي جيد ومستوى تعليم لا بأس به.. بل قد تكون المخدرات سببا لاضافة اعداد إلى العاطلين أو تشل عقولهم عن العمل والتفكير، وإن كانوا يعملون، ولكن أي مستوى من الأداء يقدمه هذا المدمن؟!.. ولذلك لم يكن أمام أحد الرؤساء خيار غير أن يدعو برلمان بلاده إلى إصدار قانون (يسمح بفصل الموظف والعامل إذا ثبت تعاطيه المخدرات)..

إن انتشارهذه الظاهرة الخطيرة عالميا يؤشر نقطة جوهرية وهي أن منظومة القيم والاعراف والتقاليد رغم اتساعها، وتعدد مصادرها، لم تكن كافية لوحدها للحد من هذه الظاهرة الآخذة بالتوسع والانتشار، ومضاعفات الضرر، لما لمافيات المخدرات وتكتلاتها في العالم من امكانات هائلة، ومنها مزارع خاصة وعصابات للتصدير، كما أنها تخوض صراعات مسلحة وأمنية مع الدول، ولها القدرة على أن تخترق الحدود وتصل إلى هدفها حتى، وان كان في دولة كبرى تملك امكانات قوية لضبط حدودها، فالولايات المتحدة الامريكية على سبيل المثال - وهي دولة عظمى عثرت على نفق ضخم لنقل المخدرات يمتد من مدينة تيخوانا المكسيكية إلى مستودع في سان دييغو بالولايات المتحدة، يصل طوله إلى 1,744 قدما (531 مترا)، وبه مسار للسكك الحديدية وكهرباء ونظام تهوية.. فما بالك بالدول الضعيفة والصغيرة؟!، وفي الولايات المتحدة نفسها أيضا وصل ما يسمى بوباء المخدرات إلى علامة فارقة عندما أعلنت الحكومة أن أكثر من 100 الف لقوا حتفهم بسبب الجرعات الزائدة بين ابريل- نيسان 2020 وابريل- نيسان 2021، وهذه هي المرة الاولى التي تصل فيها الوفيات المرتبطة بالمخدرات إلى ستة أرقام في فترة لا تتعدى 12 شهرا فقط على حد ما اشارت الانباء.. مما دفع الرئيس الامريكي إلى تقديم ستراتيجيات تساهم في التقليل من هذا الضرر كما تذكر 

المصادر.

المخدرات تشكل اليوم أزمة كبيرة في الكثير من الدول، لكن وسائل القضاء عليها لم تكن بمستوى خطورتها عالميا، ولذلك لم يكن أمام صاحب القرار غير خيار واحد، وهو أما أن يكون من يتعاطى المخدرات أو يتاجر بها إنسانا بمعنى هذه الكلمة، أو يخسر نفسه وعائلته ووطنه، وبالتالي فالعقوبة مهما كانت شديدة عليه تكون لصالحه هو أولا، لأنه مواطن، ويصعب خسارة أي 

مواطن.

المخدرات حرب مفتوحة وارهاب مركب تستخدمه المنظمات الارهابية في العالم لتمويل نشاطاتها التخريبية والارهابية لتحقيق هدفين معا: جمع المال وتدمير الانسان. ولذلك خصص العالم يوما معينا في حزيران من كل عام لمكافحة المخدرات، بعد ان تجاوزت خسائرها البشرية ما يفوق الحربين العالميتين على حد ما ذكرته إحدى الدراسات، بينما تقدر التقارير الدولية أن نحو 275 مليون متعاطٍ للمخدرات حول العالم، أغلبهم من الشباب ونحو نصف مليون وفاة بسببها ناهيك عن اثارها الكبيرة على فرص البناء والتنمية والعمل وزيادة نسب الجريمة المنظمة وحوادث المرور وتدمير الاسر، وتخريب اقتصاديات الدول، لأن خسائرها المادية تجاوزت المليارات، سواء في تجارتها التي بلغت نحو 500 مليار دولار، وهو رقم يقارب تجارة السلاح على حد ما ذكرته دراسة اخرى، أو ما يصرف على علاج الادمان والتوعية والتأهيل وهو ما يساوي ميزانيات دول مجتمعة.