بغداد: غيداء البياتي
اعتادت أسرة الحاج أنور المشهداني، أو أبو النور كما يحلو لهم تسميته، الاستعداد لاستقبال شهر رمضان المبارك منذ ليلة النصف من شهر شعبان، بغية تهيئة النفس روحيا وجسديا للصوم خلال أيامه على ما يقول المشهداني، ويضيف :» إن من فضل الله ورحمته علينا أن جعل لنا في حياتنا محطات نتزود فيها بالتقوى والايمان ومنها، بل وأهمها هي تلك التي تمر على المسلمين مرة واحدة في كل عام وهي « شهر رمضان»، فمن خلال أيامه المباركة يسعى المؤمن إلى أن يعيد ترتيب أوراقه، ليخرج من ايام رمضان بروح جديدة وبهمة عالية، فأسرتي تحرص سنويا على جمع ما زاد عن احتياجها من المعلبات والمواد الغذائية، وتوزعها بين الأسر الفقيرة».
زوجة الحاج ابو النور تتداخل الحديث معه وتقول: «قبل اسبوع من حلول رمضان اصطحب ابني الكبير وأحفادي لشراء ما يلزم من مواد غذائية، استعدادا لأيام الشهر الفضيل، الذي يتجلى فيه الله على خلقه بعموم رحمته ومغفرته، حيث يرحم المستضعفين وينصرهم ويغفر للمستغفرين ويجيب دعاء السائلين، بذلك أكون قد أسهمت في تعليمهم على أصول الاقتصاد الشرائي من جهة ونقل عادات وتقاليد استقبال الشهر المبارك، التي تعلمناها من أجدادنا لنجعلها متناقلة عبر الاجيال ومنها، تزيين واجهة المنزل بالانارة الخاصة بتلك المناسبة، وترتيب صالة الضيوف والمعيشة بتخصيص ركن رمضاني خاص لقراءة القرآن والصلاة، لا سيما أن الأسواق اليوم مليئة بالديكورات والاكسسوارات الرمضانية من مباخر وشموع وأوانٍ مختلفة».
ولم تفتِ الفرصة على زوجة أبي النور أن تحث جميع أفراد أسرتها على ختم قراءة القرآن اكثر من مرة خلال ايام شهر الطاعة على ما تقول وتضيف:» في كل عام أجهز هدايا ثمينة، لمن يختم القرآن لأكثر من مرة من أفراد الأسرة تشجيعا للصغار قبل الكبار على التنافس وتعويدهم على الصلاة بأوقاتها لتكون عادة لهم».
تتشابه الاستعدادات لشهر الرحمة في كل المناطق البغدادية والمحافظات العراقية، لكن لهذا الشهر في منطقة الاعظمية طعمٌ من نوع مختلف، حيث إذا ما تجولت في المحال والأسواق التجارية كافة، ترى العروض الخاصة على المواد الغذائية الى جانب النشرات الضوئية والفوانيس الرمضانية، التي تعد بمثابة رمز لهذا الشهر الفضيل، ولتلك الزينة إقبالٌ كبير من قبل الأسر يضاهي اقبالهم على شراء المواد الغذائية، وكل ما يخص المطبخ العراقي، فإنك ما أن تسير في شارع الامام الاعظم (ع) وتتوغل بدرابين تلك المدينة، إلا وتجد واجهات محالها وبيوتها مزينة ومتلألئة بإضاءة هلال رمضان أو فوانيس الرحمن على حد قول ياسر القيسي أحد بائعي نشرات الزينة الرمضانية، الذي اكد لـ»صفحة الاسرة والمجتمع» أن «الغاية من هذا الاقبال لتلك الانارة المتمثل اغلبها من الهلال والنجمة، هو فرح المسلمين بقدوم شهر الخير والبركة، وان النساء أكثر إقبالا على شراء هذه الزينة من الرجال».
اما بالنسبة للمطاعم المنتشرة في ساحة الإمام أبي حنيفة (ع)، فلها الحظ الأوفر في الإضاءة والنشرات والتنظيف، ابتهاجا بقدوم الشهر المبارك على حد قول أبي عرب صاحب أحد المطاعم ويضيف:» نحن نستعد لأيام رمضان قبل أسبوع على الأقل من قدومه، فضلا عن تزيين المطعم بالفوانيس الرمضانية والنشرات الضوئية والورقية، نستعد لتوفير حساء العدس المعتاد تقديمة عند الإفطار، كذلك نقدم التمر واللبن وباقي الأكلات الشعبية المتمثلة بالباقلاء بالدهن الحر والمشاوي وغيرها».
كما أن لمحال الحلويات استعدادات مسبقة لشهر رمضان فقد اوضح معتز النعيمي صاحب محل لبيع الحلويات في شارع عمر بن عبد العزيز :» خلال تلك الايام المباركة نوفر ما لذَّ وطاب من الحلويات الشعبية للصائمين، ومنها الزنود الست و الكنافة والبقلاوة والزلابية والبرمة، التي تعد رمزا من رمضان بالنسبة للعراقيين».
وبعيدا عن الأطعمة التي تطغى على أيام الشهر المبارك، فإن المدرسة المتقاعدة ام بلال تحرص على وجود الركن الرمضاني في إحدى زوايا المنزل، وتقول :» للشهر الفضيل في عقلي أجمل الذكريات وأن أروع العادات والتقاليد العراقية، تمارس فيه منذ اليوم الأول، وبما أننا افتقدنا اللقاءات الأسرية والالتصاق الحقيقي في تلك الأيام، بسبب جائحة كورونا التي مرت على العالم، وجعلت اللقاءات الكترونية مقتصرة على وسائل التواصل الاجتماعي، وحرمتنا من أن نعيش الطقوس الرمضانية بأجوائه الروحانية والمحببة لدى الأسر العراقية والمتمثلة بالموائد العامرة، بضجيج الأحبة وضحكاتهم وممارسة طقوسهم الدينية من صلاة التراويح الجماعية وقراءة القرآن، فقد قررت أن أجمع أحبابي وأبنائي على مائدة الافطار، وكالعادة أطهو الأطعمة البغدادية واتبادل الاطباق مع الجيران، هكذا تعلمت من والداي وسأجعلها متوارثه عبر الاجيال».