قصص 300 عام من الحروب ترويها {أزرار} الجند

بانوراما 2023/03/25
...

فيسينت جي أولايا

ترجمة: ليندا أدور

في مدينة سالامانكا (أو شلمنقة) غربي إسبانيا، تقع بلدية “غالغوس دا أرغانان”، على بعد 15 كيلومترا من مدينة “سيوداد رودريغو” ونحو عشر كيلومترات من الحدود البرتغالية. موقعها الستراتيجي هذا المحاذي لطريق ملكي قديم، منحها الفرصة لأن تكون ممرا خلال القرنين السابع عشر والتاسع عشر لمختلف صنوف الجيوش الإسبانية والبرتغالية والإنكليزية وألوية الجيش النابوليوني، حيث زحف وإرتاح وقاتل ومات العديد من الجنود في ساحات القتال، وكانت موضعا لسقوط الكثير من الأزرار والمعدات الشخصية من بزاتهم العسكرية على امتداد ذلك الطريق.

عن هذا الموضوع، نشر كليمنت غونزاليز غارسيا، عالم الآثار المتخصص بالتنقيب في أرض المعركة. وركز أحدث تقرير له بإحدى المجلات المتخصصة بالمسكوكات على الأزرار المعدنية الخاصة بالزي العسكري خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، حيث جرى التنقيب عنها قرب غالغوس دا أرغانان، وقدمت لمحة عن معارك خاضتها إسبانيا مع البرتغال وإنكلترا وفرنسا.

طيلة ثلاث سنوات، اقتفى غارسيا 3200 قطعة مختلفة الأشكال تم اكتشافها على طريق يمتد لأكثر من سبعة كيلومترات وقام بتوثيقها، ويقول: “بسبب حركة  المرور الهائلة على هذا الطريق من قبل أناس عاديين وقوات عسكرية، فقدت فيه الكثير من الأجسام المعدنية التي تضم مجموعات كبيرة ومتنوعة من الأزرار التي يصعب تحديدها وتصنيفها زمنيا”، مشيرا الى أن التحدي الأصعب هو تحديد إن كان الشيء يعود لشخص مدني أو جندي عسكري، لكن الأزرار المعدنية استخدمت فقط في الزي العسكري، بدءا من أواخر القرن السابع عشر، علما أن دمغ أسماء الوحدات على الأزرار بدأ العام 1784.


علم الأزرار

مستندا إلى “علم الأزرار- Buttonology” (فرع من علم المسكوكات القديمة يدرس الأزرار لتأريخها وإعادة بناء الأحداث التأريخية بناء على ما تم العثور عليه من عينات)، إسترد غارسيا 1100 قطعة من أصل 3200، كانت عبارة عن رصاصات كروية الشكل تستخدم في الأسلحة ذات التلقيم الفوهي، و700 قطعة نقدية ونحو مئة مشبك حزام وميداليات دينية وقطع من الأسلحة والمسامير من مختلف الأشكال والأحجام. من بين كل ذلك الكم من الأجسام المعدنية، تمكن غارسيا من تحديد وتوثيق 220 زرا جرى تسليمها لاحقا الى متحف سالامانكا.

استخدم الطريق، الذي استخدمه الرومان أيضا، خلال الكثير من الحروب  والهجمات البرتغالية والإسبانية، لكن أكثرها هو استخدامه في العام 1736، أثناء تشييد قلعة كبيرة في قرية ألديا ديل أوبيسبو، على بعد تسعة أميال من غالغوس دا أرغانان، فعلى مدى عقود، تطلب بناؤها نقل كميات هائلة من المواد الخام؛ كالجير والطوب والحجر والحديد وخشب الوقود والمعدات وغيرها من الإمدادات، ما يعني مرور الكثير من الجنود وخيولهم على امتداد الطريق الملكي.

على عكس القطع النقدية، يتم تثبيت الأزرار بقماش الملابس، فتقل بشكل كبير احتمالات فقدانها، كما أن عملية فصلها تتطلب قوة سحب كافية، وهو ما يحدث غالبا أثناء المعارك أو في معسكرات الجيش، حيث أماكن استراحة الجنود للمنام أو لتناول الطعام.

تظهر الأزار التي تم العثور عليها بأن الغالبية العظمى منها مصنوعة من النحاس، والقلة القليل منها مصنوعة من البيوتر (سبيكة 91 بالمئة منها قصدير) والتومباك (سبيكة من النحاس والزنك) والألمنيوم، فضلا عن أن غالبيتها كانت مسطحة الشكل وربعها فقط كان ذا شكل محدب، بينما كانت الأزرار الكروية وشبه الكروية كانت الأقل شيوعا. 

كانت معظم الأزرار مستديرة الشكل وقلة منها بشكل ثُمانية، يعود العديد منها الى المشاة الإسبانية خلال القرن التاسع عشر، وبعضها صدر بين الأعوام 1875 و1931 ويظهر عليها شعار تاج الملك ألفونسو، وبعضها شعار النبالة للجمهورية الإسبانية الأولى.


أزرار بدل العملة

ضمت المجموعة أزرارا لجنود من جيش “فونديه” والجيش “الوطني”، الذين خاضوا الحرب الأهلية التي وقعت في إقليم فونديه الفرنسي سنة 1793، اذ حملت أزرار جنود الجيش الوطني صور تماثيل نصفية للملك فيرناند السابع والملكة إيزابيل الثانية، كمحاكاة للأزرار الفرنسية التي حملت صورة تمثال نصفي لنابليون. 

في العام 1808، ترجل 12 ألف جندي إنكليزي من سفنهم الى ميناء لا كورونيا، شمال غرب إسبانيا، وإجتازوا سالامانكا، باتجاه الحدود البرتغالية، وبقوا هناك حتى العام 1813، يسكنون في معسكرات ويديرون مواقع الحراسة ويقاتلون الفرنسيين. كانت القوانين الإنكليزية صارمة حول نوعية وجودة الطلاء الذهبي لأزرار ملابس الجنود، فقد استخدمها العديد منهم كعملة نقدية في المقاهي الإسبانية. 

يسلط تقرير غونزاليز الضوء على الأضرار الجسيمة، التي يتسبب بها صائدو القطع الأثرية واللصوص باستخدامهم أجهزة الكشف عن المعادن، وبشكل خاص في ساحات المعارك الإسبانية، اذ يقول: “إن عمليات نهب اللقى الأثرية والذخائر وأبزيمات الأحزمة والعملات المعدنية والأزرار وغيرها، منعت من إعادة بناء التأريخ الموضوعي التي، حتى الآن، تتم بناء على مصادر التوثيق”، مضيفا بأنها تعيق الدراسة الدقيقة والعلمية للكثير من الأحداث التأريخية، وبشكل خاص المعارك الكبرى، التي لا يُعرف عنها الا من خلال المصادر المدونة، ربما التأريخ يكتبه المنتصرون، لكن، بلا شك، إن اللصوص يمحون البقية الباقية منه.

*صحيفة إلباييس الإسبانية