غيث الدباغ
إن ما مر على المجتمع العراقي خاصةً من كثرة نوبات الصراعات السياسية الداخلية والخارجية له تأثير كبير في الصحة النفسية والعاطفية للأسر والأفراد سواء كان الفرد موظفاً ضمن السلك العسكري أو المدني أو كاسباً وغير ذلك ولهذه التأثيرات آثار جانبية سلبية كبيرة منها ما يظهر بالوقت نفسه عن طريق الانفعالات والردود والتحركات ومنها ما يكون بطيئاً نتيجة الكبت، كون هذه الصراعات أغلبها ضمن خطط لتغيير النمط الفكري للمجتمع من خلال التأثير على العقل الباطن للإنسان، إذ إنها استهدفت بالدرجة الأولى البنى التحتية للمجتمع كونها الهدف الستراتيجي الأول لهذه الأزمات وكذلك قطاعات الأنظمة الإعلامية والإدارية والقانونية والغذائية والخدمات المدنية بشكل عام، كما شهدنا في غزو الولايات المتحدة وحلفائها للعراق إبان العشرين من مارس 2003 بهدف الإطاحة بنظام الحكم الذي كان مصدر قوته هو قوة الشعب وحيث إننا قريبون من هذا التاريخ طلبت روسيا عبر مندوبها الدائم في الولايات المتحدة «ديمتري بوليانسكي» بعقد اجتماع مغلق للتحقيق بملف غزو العراق الذي سماه بالكذبة الشنيعة.
كون هذا الغزو العسكري الذي حصل للعراق لم يكن لإسقاط نظام البعث بل إنه أحدث خللاً بمنظومة الأمن العام في منطقة الشرق الأوسط.
لما لهذه الأزمات من شدة نفسية مسببة اضطرابات عاطفية تظهر لا إرادياً في طبيعة المجتمع بحسب الفئات العمرية حيث لها توابع سلبية على النضج العاطفي والمجتمعي والوعي بشكل عام وحتى على المعايير الداخلية للفرد كونها تخلف ردود أفعال عدوانية تشد الأعصاب وسلوكيات غير مرغوبة.
وهذه الأزمات جعلت لدينا هدراً عاطفياً كأنه أنبوب كبير من المشاعر ينفتح من تلقائه في أعمالنا الأدبية ومواقع التواصل الاجتماعي وحتى المسلسلات التلفزيونية، وبالرغم من أن كثرة هذه العاطفة التي يجب أن توفر نوعاً من السلام وتقلل من الطبيعة المجتمعية التي تمحورت حول العنف المجتمعي وكثرة الجريمة المنظمة، إلا أن ما يحدث لا يشي بأي شيء من ذلك..
فصارت هنالك ظواهر جديدة مثل «الابتزاز العاطفي الالكتروني» من خلال نظرتنا تجاه الجنس الآخر التي أصبحت تصيدية، رحلة استكشافية زمنية قصيرة يتخللها التلاعب بالمشاعر.
بالمختصر المفيد أن الغزو أو الاحتلال حقيقة و (الذي سمي تحريراً مجازاً) قد خلف ظواهر اجتماعية سلبية لم تكن معروفة سابقاً بل وخلخلة للنسيج الاجتماعي العراقي ولو عملنا جردة حساب لهذه الظواهر لوجدنا أن المجتمع العراقي قد وضع على كف عفريت وقد مسخت بناه التحتية الأخلاقية وتغيرت ثوابته الأيديولوجية ومورست ضده أسوأ حرب ناعمة، وبقي حائراً ومحتاراً ما بين قبول أمرين أحلاهما مر ما بين الركون تحت نير الطغاة أو الركون تحت مذلة الاحتلال المقيت والمذل وكلا الأمرين غير مقبولين لا إنسانياً ولا أخلاقياً وكلاهما ماسخ لجوهر الإنسان وكلاهما كالمستجير بالرمضاء بالنار، البعض ما زال يحن إلى الزمن الأغبر الذي يصفه بالجميل وهو الزمن الذي ابتدأ فيه عصر المسخ وتجريد المجتمع العراقي من محتواه الأخلاقي وجذوره القيمية وبناه المعرفية وتحويله إلى قطيع يقاد بالعصا لتسهل بعدها عملية التدجين وقد أكمل الاحتلال تلك العملية الإفراغية بتحويل بعض الناس إلى مجموعة دمى ولكن بخيوط واهية وهي تتحرك على مسرح الحياة بلا هدف ولا محتوى ولا فاعلية كالأنعام بل أضل سبيلا ًمهدورة الكرامة خالية من العاطفة والإنسانية هدفها علفها واستسهال العبور فوق الأخلاق والقيم المجتمعية من أجل المال (السحت) فانتشر الفساد في جميع ربوع ومتون الدولة والمجتمع.