د.حسين القاصد
بلدان كثيرة تعرّضت لأزمات خطيرة، هدّدت حاضرها وبناها التحتية فضلا عن تهديدها لأمنها المجتمعي والاقتصادي، لكنها اجتازت هذه الازمات؛ بل أفادت منها أيما افادة، وجعلت منها حافزا للوقاية من الخطر المستقبلي، ودافعا للتطور والبناء؛ ولعل اقرب الأمثلة تكمن في بلدين جارين للعراق، هما ايران وسورية، فلقد تعرضت الأولى الى حصار طويل الأمد لكن هذا الحصار جعل منها دولة صناعية مكتفية ذاتيا، ومصدرة من صناعتها وزراعتها فضلا عن استثمارها للسياحة؛ اما سورية فلقد تعرضت لما يشبه الدمار الشامل، لكنها تماسكت واعتمدت على انتاجها الصناعي والزراعي، وصارت حتى الأدوية وكل الاحتياجات العامة سورية الصنع؛ بل ان حتى عملتها صارت ثلاثة اضعاف العملة العراقية قياسا بالدولار الاميركي، والفضل في هذا يعود للاكتفاء الذاتي وعدم الاعتماد على الاستيراد.
نحن في العراق تعرضنا لما يشبه ماتعرضت له ايران، فقد خرجنا من حصار قاتل، الى حروب داخلية طاحنة؛ وتعرضنا لنسخة مشابهة لما حل في سورية وأعني بذلك الخراب الداعشي الظلامي؛ والآن وبعد ان تطهّرت ارض العراق من كل اشكال الظلام الداعشي، وجدنا انفسنا نستورد كل شيء، وسياحتنا شبه معطلة، وعملتنا حافظت على ما التزمت به من بعد سقوط النظام الساقط، ولم نسجل ازدهارا في أي مفصل من هذه المفاصل.
اكتب هذا، وكلنا نتذكّر التهديد بالجفاف الذي تعرض له العراق في العام الماضي، وكيف كانت المحاولات لجعل تركيا تتراجع عن بناء السد الذي يهدد العراق بالجفاف الحارق؛ لكننا وبعد موسم غزير بالامطار، وبعد تهديد جدّي بالسيول والفيضانات، صرنا نفكّر بأية وسيلة للتخلص من الماء ودرء خطره، وتجنّب الغرق في الفيضانات!!.
ولقد ارتفع منسوب المياه في الفراتين العظيمين، وقد تعرضت بعض المدن للغرق، لكننا لم نفكر باستثمار النعمة التي صارت أزمة!!؛ وبقيت المياه على مجراها القديم تسير وفق ما سارت عليه منذ ان خلقت لتستقر في الخليج .
أقول: ماذا لو فكرنا بادخار هذا الماء، إما بواسطة بناء السدود، او بخزانات كبيرة كتلك التي بقيت تراثا وأثرا، مثل خزان المياه الذي يتوسط بغداد في الباب الشرقي؛ ليتسنى لنا بعد ذلك استثمار هذه المياه في صناعة الكهرباء وانعاش الزراعة، والاطمئنان من التهديد بالجفاف، فضلا عن الحماية من الغرق وتوقي خطر الفيضانات والسيول.
نحتاج الى مراجعة جدية لمعاناتنا والافادة منها واستثمارها لتكون مصدر قوة لا مصدر خطر وتهديد، ونحتاج ادخار مياهنا لنا كي نتجنّب حرب الجفاف التي تلوح بها البلدان المتشاطئة.