حمزة مصطفى
يوصف الدستور العراقي بأنّه من الدساتير الجامدة. لماذا جامد؟ لأنّ من كان خلف كتابة الدستور أراده كذلك. ماهو مفهوم الجمود في هذا الدستور؟ لايعدّل ولا يغيّر ولا يتقدّم ولا يتأخّر. كتلة من النصوص الجميلة فقط لكنّها إما تحلق في الفضاء حيث لا أرض تحتويها. أو نصوص معقدة تتطلب تفسيرات وتأويلات يدوخ فيها كل الراسخين في العلم شلع قلع.
من بين المسائل التي أفرد لها هذا الدستور مواد عديدة وتفصيلية هي الفيدرالية أو الأقاليم. دستورنا فيدرالي, نقطة راس سطر. لكن كم محافظة جرّبت وحاولت أو حتى تمنّت أن تصبح إقليماً ولم يحالفها الحظ؟ عدد من المحافظات منها صلاح الدين والبصرة وقبلها فكرة إقليم الجنوب ومحاولات في كركوك والأنبار. لماذا لم يحالفها الحظ؟ لأّنّ الوقت غير مناسب؟ لماذا غير مناسب؟ يأتيك الجواب جاهزا بل مسلفنا بأن من شأن ذلك أن يفتح لنا باب التقسيم على أسس عرقية أو طائفية أو جغرافية.
من جانبهم يتساءل دعاة الأقاليم..”بوية” نريد إقليم على أسس إدارية “بس”؟ يأتيك الجواب “إحكيها لخوالك”.. لماذا؟ لأن الوقت غير مناسب ويفتح لنا باب التقسيم؟ طيب والدستور الذي أفرد فصلا عريضا طويلا للأقاليم بوصفها جنة الله الواسعة في الأرض؟ طيب وإقليم كردستان الذي ينظر اليه الجميع بوصفه تجربة ناجحة؟ لا يتأخّر الجواب كثيرا حول هذه النقاط. فمن حيث الدستور فإنّ من كتبه لايريد أن يقول لك “تورطنا” بل يقول إما الدستور جامد أو الوقت غير مناسب؟.
وأما من حيث تجربة إقليم كردستان فإنّ الجواب الجاهز أنّ لهذا الإقليم خصوصيته كون الأخوة الأكراد أكراداً, وقد يضيف لك من يتولى الجواب أن حقهم ليس إقليما بل دولة كونهم أمّة حالها حال الأمة العربية أو التركية أو الفارسية. المشكلة أنّك تؤمن بهذه المفاهيم القومية الوطنية الإنسانية أكثر من الأخ الذي “يتعيقل” برأسك في مجمل هذه الإجابات. الفارق بينك وبينه أنّه قيادي وقد يكون زعيما وربما كان من لجنة كتابة الدستور أو من عرّابي اللجنة أو من المؤثرين في المشهد السياسي بينما أنت مجرد “حديقة”.
كلّ ما قلته لا يعني أنني مؤمن بالاقاليم أو الفيدراليات طبقا لدستورنا الذي كما قلت كل مفاهيمه جميلة لكنّها تنطبق على سويسرا والدنمارك والسويد لا العراق. المحصلة أن من كتب الدستور بعد عام 2003 كان بعيدا عن الواقع. بل كان يحلق في الفضاء البعيد. ولو كان واقعيا لما تورّط في مواد وفصول وديباجات سرعان ما راح يدفع ثمنها العراقيون بعد سنوات قلائل من زمن كتابة الدستور, بينما الدساتير تكتب لعقود طويلة مقبلة من الزمن. هذا من جهة, ومن جهة ثانية فإنّ من يتولى تطبيق الدستور اليوم لا يعرف كيف يطبقه خصوصا على صعيد الأقاليم لاسيما القول أن الوقت غير مناسب.
القصة في تقديري ليست قصة وقت بل قصة أخرى مرتبطة بالنجاح والفشل. هنا الدستور بريء. هو قال الفيدرالية وسكت، لكنّه ليس مسؤولا عن فشل جماعة المحافظات ممن يرفعون لافتات الإقليم بينما يفشلون في إدارة قرية لا محافظة.