التظاهرات الفرنسية

قضايا عربية ودولية 2023/03/29
...

علي حسن الفواز



تكشف التظاهرات الفرنسية عن واقع سياسي قلق، وعن متغيرات قد تضع حكومة الرئيس مانويل ماكرون أمام امتحان صعب، حدّ أن البعض جعلها نُذراً يمكن أن تهدد «الديمقراطية» الغربية، فتحذير منظمة العفو الدولية من «استخدام العنف المفرط والتوقيفات التعسفية» في مواجهة تلك التظاهرات، كما ورد في «تغريدتها» يضع علامات استفهام على طبيعة الإجراءات الحكومية، وعلى مدى استجابة الجمهور إلى الإصلاحات القانونية التي تعمل على فرضها، وإلى ضمان حق التظاهر، ورغم أن طبيعة تلك التظاهرات المناهضة لخطط الحكومة بإصلاحات نظام التقاعد برفع سن التقاعد من 62 عاماً إلى 64 عاماً، أخذت شكلاً احتجاجياً واسعاً، إلّا أنها كشفت في جوهرها عن وجود مشكلات عميقة، وعن مظاهر للتضخم جرّاء الأزمة الاقتصادية العالمية، وبسبب سياسات الحكومة الموالية للولايات المتحدة في الحرب الروسية الأوكرانية.. 

تفاقم التظاهرات لم يشمل القطاعات العمالية ونقاباتها فقط، بل أخذ طابعاً اجتماعياً واقتصادياً شمل كثيراً من المدن الفرنسية، فبعد إغلاق عدد من الطرق، فإن الشباب المتظاهرين قاموا بإغلاق جزئي لعدد من المدارس والجامعات، فضلاً عن القيام باحتجاجات واضرابات في بعض المصافي النفطية، ووفي شبكات النقل العام والسكك الحديد، ناهيك عن تردي الخدمات البلدية، والتي جعلت من باريس أجمل مدن العالم تبدو وكأنها مكبٌّ للنفايات. 

الإجراءات الحادّة للحكومة الفرنسية، وإصرارها على تمرير مشروعها الإصلاحي، يضعها في مواجهة مفتوحة مع جمهورٍ غاضب، ومع واقعٍ سياسي واقتصادي عالمي وأوروبي يعيش أسوأ أزماته، والتي قد تهدده بمزيد من مظاهر التضخم والغلاء والبطالة، وربما الركود، كما أن هذه التظاهرات تُعيد إلى الأذهان الحركات الاحتجاجية لجماعات «السترات الصفر» عام 2018 والتي خرجت للتنديد بارتفاع أسعار الوقود وصعوبة تأمين تكاليف المعيشة، والتي امتدت لتشمل المطالبة بمواجهة الإصلاحات الضريبية التي فرضتها الحكومة الفرنسية..

تلازم هذه التظاهرات مع الطابع الحقوقي والإصلاح القانوني، يؤشر مدى صعوبة تأمين بيئة سياسية لتلك الإصلاحات، ومواجهة التصدّعات السياسية الداخلية، والتي بات يستثمرها اليمين المتطرف عبر توسيع طابعها الاحتجاجي، والتحشيد لبرامجه العنصرية المناهضة للمهاجرين واللاجئين.