غيداء البياتي
أنا أصغر منه بأربعة أعوام وهو أكبر مني بخمسين مرة بحبه وطيبته وكرمه ودينه وإيمانه بالله تعالى، فهو ملتزم بصومه وصلاته وزكاته، كما أنه ملزم بحكم إيمانه بمواصلة رحمه، يزور الأهل والأقارب والاصدقاء، كما يتودد لبيتي بين فترة وأخرى.. ذلك الفتى الوسيم هو أخي، الذي يضع خطوة متواضعة على طريق السلامة بالابتعاد عن المعصية، وخطوة واثقة على طريق الايمان واتباع أوامر الله تعالى، هو يسير بطريق الشريعة الاسلامية من غير جبة ولا عمامة، يتصل بتلك الأخت ويسأل عن حال ذلك الأخ، ويزور العم والخال، مثلما يعطف على الصغير ويحترم الكبير، رجل مسكون بابتداع شيء من الحنية، ما مرت على حافظتي من قبل، فهو جعلني والله أشعر بالخجل من نفسي في حال وصلتني رسالة «موبايلية» منه يهنئني بقدوم أيام الشهر الفضيل، ويعاتبني بطريقة راقية، لا تمت إلى ماعرفته من أدبيات اللوم والعتب، كوني لم اتصل لتهنئته مسبقا، كانت رسالته موشومة بنكهة حنان الأب المفقود.
من لحظتها قررت أن أصل رحمي إلى سابع ظهر وأترك العتب واللوم والقطيعة، لأني في كل مرة ازداد يقينا بأن تلك الامور لن تضيف إلى اللقاءات، إلا قطيعة جديدة وكلاما جارحا، أخشى أن أواجه أحدًا به مثلما اخشى مواجهة ربي يوم القيامة، لأنني لم أترك من بعدي علما ينتفع به ولا صدقة جارية، ولا ولدا أنال من ورائه الرحمة، ومن باب صلة الارحام قد أنال من الرحمة شيئًا، لأن الله أمرنا بذلك في قوله تعالى «والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل». فلا تجعلوا المقياس في مواصلة الارحام ذلك الحطام المتمثل بالهدايا والأموال والمناصب والوجاهة، فكلها زائلة وتفسد القلوب وتنغص العيش، ودعونا ننتهز ساعات تلك الأيام الرمضانية، فإنها قصيرة فلا نفسدها علينا، وعلى من حولنا بالشقاق والجفاء والتنازع والعتاب حول أتفه الأسباب، كم تعجبني كتابات الصحفي المصري محمد عبد الوهاب مطاوع عن تفاصيل الحياة الاجتماعية والتي كان منها «املؤوا عيونكم من وجوه الأحباب والأعزاء، فلعلكم لاترونهم بعد حين، وارتقوا فوق الصغائر والدنايا والسفاسف، لتجعلوا من رحلة العمر أبحارا سعيدة في بحر السلام، فغدًا سوف تصل السفينة الى مرفئها الأخير ويفترق الركاب».