عبد الهادي مهودر
يهجر الإنسان وطنه الأم لأسباب قاهرة ويبقى حنينه أبداً لأول منزلِ، وتاريخنا حافل بالهجرة والمهاجرين الذين كانوا نواة الدولة في صدر الرسالة الإسلامية، كما هاجر آلاف العراقيين وهجّروا من ديارهم وأصبحت لدينا وزارة للهجرة والمهجرين، ومع قساوتها فالهجرة تفتح للمضطهدين أبواب الأمل والاحتكاك بثقافات ولغات الشعوب ونيل فرص لا تتوفر للإنسان المستضعف القابع في وطنه الصغير دون أرض الله الواسعة، وتتصدر الدول الفقيرة وغير المستقرة قائمة الدول الأكثر تصديراً للمهاجرين الهاربين بالروح العزيزة من سطوة الفقر والظلم والاستعباد، ويكشف منظر الفارين بجلودهم عبر المحيطات والبحار والصحارى مدى ظلم الإنسان الذي جعل المسلمين الأوائل يفرون إلى الحبشة والأواخر إلى أميركا وأوروبا، وليس أجمل من قصص المهاجرين الذين يشقون الأكفان ويكتبون قصص نجاح في الدول التي تقبل أن يحكمها أبناء المهاجرين، وتتصدر نشرات الأخبار أسماء المهاجرين الذين صعدوا إلى مواقع متقدمة في بلدان المهجر ومن بينهم الشاب حمزة يوسف الباكستاني الأصل الذي أصبح رئيساً لوزراء اسكتلندا، وكان على سر أبيه الذي تزوج كينية مهاجرة، فتزوج يوسف من اسكتلندية فلسطينية الأصل يشاركها الحزن على مصير أهلها المحاصرين في قطاع غزة، ومن رحم هذا الخليط الإنساني خرج حمزة يوسف ليحكم اسكتلندا ويلتحق بالهندي الأصل ريشي سوناك الذي أصبح رئيساً للحكومة البريطانية وليكونا بمثابة خلطة بهارات حارة في عالمنا الجديد ويحكمان الامبراطورية التي كانت لا تغيب عنها الشمس ويلتقيان لمناقشة مصير المملكة بعد أن كانت الهند والباكستان تحت حكم التاج البريطاني ردحاً من الزمن، بين مؤيد للانفصال عن أوروبا وبين داعٍ إلى انفصال اسكتلندا والاستقلال عن المملكة، وهي بريطانيا نفسها التي جاءتنا يوماً ما بجيش جرار على رأسه الجنرال مود بشعار جئناكم محررين لا فاتحين وبسياسة فرق تسد، وفي غمرة هذه المفارقات يقفز اسم العراقية الأصل هيرو مصطفى التي هاجر والدها الكردي القومية المعارض للنظام السابق وتدرجت بمواقع مهمة في الإدارة الأميركية وأتقنت التحدث بثماني لغات حتى عينها الرئيس جو بايدن بمنصب السفيرة الأميركية لدى مصر، لكن الحظ لا يحالف جميع المهاجرين مثل حال الطيور المهاجرة، فكثير منهم يتعرضون للتمييز أو يصابون بالصدمة كما في قصة لاعب الشطرنج الإيراني علي رضا الذي لعبت به السياسة (طوبة) فقد منعته إيران من اللعب ضد لاعب إسرائيلي في بطولة العالم 2019، لكنه احتج على ربط الرياضة بالسياسة ولجأ إلى فرنسا التي رحبت به ومنحته الجنسية لكنها منعته من اللعب ضد لاعب روسي بعد غزو أوكرانيا!.