المراهقة المتأخرة .. آفة تعصف بالترابط الأسري

اسرة ومجتمع 2019/04/16
...

منى محمد زيارة
يطرأ على مسامعنا بين فترة واخرى مصطلح (مراهقة متأخرة ) او كما يسميها علماء النفس بأزمة منتصف العمر التي تطال نسبة كبيرة من الرجال والنساء على حد سواء وتزداد مع تقادم السنين ، وللأسف اغلب المجتمعات لا تعترف بوجود هكذا مشكلة لها تأثيرها السلبي في الاسرة وترابطها ، بل تخجل من التصريح بذلك. 
اذ غالبا ما تبدأ المراهقة المتأخرة من سن الخامسة والثلاثين وحتى عمر الخمسين عاما، لكن اعراضها تمتد في بعض الحالات لتصل إلى عمر الستين، وهي بطبيعة الحال تسبب مشاكل لا نهاية لها تهدد استقرار الحياة الزوجية في خريف العمر، واحيانا تتزامن المراهقة المتأخرة  مع وجود خلل في العلاقة الزوجية، وعدم الاعتياد على التعامل مع الضغوطات وتجاوز العقبات، إضافة إلى فقدان التوافق الثقافي والاجتماعي والفكري بين 
الزوجين.
 
تغييرات جذرية
يقول علماء النفس  إنّ مرحلة المراهقة المتأخرة  تعني الحنين لزمن الشباب والمراهقة ومحاولة للتخلّص من مشاعر السلبية التي يفرضها عليهم تقدّم العمر والتي اهمها الاحساس باليأس والإحباط والشعور بأنهم أصبحوا بلا جدوى في الحياة.
ومع ذلك فان تلك المرحلة مؤقتة قد تطول أو تقصر لدى البعض لكنها في النهاية تنتهي ويعود الشخص لتصحيح مسارات حياته من جديد من دون خسائر تذكر لكن كل هذا يعتمد على مدى قدرته في معالجة الوضع وايجاد الحلول المناسبة بالتأكيد.
ويتفق المختصون في الطب النفسي  على الكثير من الصفات التي تصيب من يمر بهذه الازمة ولعل ابرز ملامحها , كثرة التذمر والملل  لاسيما بالنسبة للرجال، وبعضهم يجد في الزواج مرة أخرى الحل في حين يتخبط البعض في اتخاذ القرارات المهمة.ولعل اكثر ملامحها وضوحا هي إجراء تغييرات جذرية على المظهر الخارجي ، والتصرف مثل المراهقين كالمحاولات لجذب أنظار الجنس الآخر بارتداء ألوان وملابس ملفتة للانتباه، إضافة إلى الميل إلى الإسراف في التدخين والسهر وايضا محاولة افتعال المشاكل وعدم قضاء العطل او الاجازات مع الاسرة بل محاولة التملص من أي نشاط مجتمعي او 
اسري .
 
زوجة ثانية
تحكي سناء عبد الحميد  احدى ضحايا ازمة منتصف العمر قائلة: تزوجت بعد قصة حب استمرت ثلاث سنوات مررت خلالها بحالة نفسية سيئة نتيجة رفض عائلتي لزواجي لانعدام التكافؤ الاجتماعي والاقتصادي لكن بعد اصراري على الارتباط به حصلت على موافقتهم، مررت بسنوات جميلة حسدت نفسي عليها , اطفالي يكبرون وانا اكبر وعمل زوجي يكبر ايضا لكن للأسف ما ان دخل احد اولادي الجامعة حتى بدأت الامور تسير باتجاه عكسي ، فلاحظت قلة اهتمام زوجي بالسؤال عن ابنائه وقلت في نفسي قد يكون السبب انهم بدؤوا بالاعتماد على انفسهم او لانشغاله بالعمل الذي جعله يكون ثريا يوما بعد آخر , ثم بدأ كل شيء يتغير فيه ، كثرة افتعاله للمشاكل ، انتقاده المستمر لكل ما يدور حوله حتى توافه الامور وقلة وجوده في البيت حتى وصل الامر الى بقائه خارج المنزل لعدة ايام من دون الاتصال او حتى السؤال عنا ، لكن الشيء الذي قد يراه البعض مستفزا انه بعد كل هذه الافعال اعترف لي بأنه لا يريد البقاء معي ، لم افكر حينها ماذا افعل واكتفيت بالسكوت ولم يشغل بالي إلا كيف أخبر اولادي بما يريد ابوهم ان يفعله ، بعد يوم واحد فقط اتصلت به وقلت له انا موافقة على  أي شيء تريد فعله ما دمت لا تريد البقاء معنا ، حينها وبسهولة ومن دون تردد قال :”سأطلقك  لأني اعرف انك لا تقبلي ان اتزوج عليك” ،عندها تكلم عن فتاة صغيرة تكاد ان تكون في عمر اولاده هي وهذا هو المضحك المبكي في وقت واحد  ابنة صديقه , اعجب بها وطرح عليها ان تكون زوجة ثانية فرفضت الا بشرط ان ينفصل عني عندها قرر تطليقي ، اجبته: “وانا ايضا لا احب البقاء معك” ، وحدث مالم اتوقعه في يوم ما ان يحدث ،حتى ان اسرتي لم تتدخل لانهم عند زواجي قالوا لي: لا تحاولي اقحامنا في أي مشكلة تتعرضي لها  لان هذا اختيارك وحدك ، رغم شعوري بالندم لأني لم اناقشه في الاسباب التي دفعته لفعلته هذه لكني اصبحت اكثر قوة مما كنت عليه واكثر نضجاً وتقبلا لأي مشاكل او معوقات قد اتعرض لها 
مستقبلا .
 
 محبة وحوار
من جانبه اشار محمد قادر عبد الزهرة الى ان حياته وحياة اسرته اصبحت في مهب الريح بعد ان تركته زوجته مسؤولا عن ثلاثة اطفال اكبرهم يبلغ العاشرة من عمره، يكمل كلماته الحزينة وهو مطأطئ الرأس لم اكن نادما في يوم ما على زواجي بل العكس كنت اتباهى بأني رغم الصعوبات التي واجهتها استطعت بناء اسرة رائعة مبنية على المحبة والحوار ، بعد ان بدأت زوجتي بالملل من بقائها في المنزل والتفرغ لتلبية احتياجات الاطفال طرحت علي فكرة انشاء صالون للسيدات سيشغل وقتها ويدر عليها دخلا لا بأس به لكن للأسف لم تمر الا اشهر قليلة حتى بدأت تتذمر من حياتها واطفالها وتتحدث عن عمرها الذي ضاع في خدمتنا والتجاعيد التي بدأت تداهم وجهها من كثرة الاهتمام بنا , حاولت اكثر من مرة مناقشتها لكنها في كل مرة كانت تتهرب بحجة تعبها او انشغالها , لاحظت عليها التصرف بطريقة لا تناسبها كونها امرأة متزوجة وأماً اضافة الى امور اخرى لا استطيع الحديث عنها لأنها تشعرني بالحسرة وسوء الاختيار حتى جاء اليوم الذي طلبت مني الزواج بأخرى لتلبية طلباتي وطلبات اولادي الذين هم اولادها ،عندها انفجرت عليها وقلت لها :”أنتي  تريدين الوصول الى ابعد من هذا ,تريدين الطلاق لكن بأسلوب رخيص” ,طلقتها غير آسف عليها , بل أسفت على حياتي معها .
 
ترتيب الأولويات
يؤكد علماء النفس ان كلا الجنسين يعتقد  أنهما أكثر نضجاً ووقاراً من الوقوع في هذ الفخ المرعب  ويختلف ردة فعل الرجل على الأزمة عن الأنثى، فهذه الحالة هي عبارة عن مرحلة من مراحل العمر، مرحلة لترتيب الأولويات، فيعتقد الرجل بأنها مرحلة للعودة إلى هوايات الشباب، فيمارس الرياضة وبعض الأعمال المختلفة، كما تطغى عليه فكرة الزوجة الثانية، أما المرأة فتعود للتفكير في الدراسة أو العودة إلى العمل، وتتمرد على أعمال المنزل ومسؤولياته، لذلك ينصح العلماء بمراجعة علماء النفس والدارسين لتخطي هذه 
المرحلة.
تقول عالمة النفس الامريكية  لين مارغوليس، إحدى العلامات البارزة والأكيدة على أنك تمر من أزمة منتصف العمر هي إحساس المرء بأنه عالق بسبب الالتزامات الكثيرة، مع وجود رغبة ملحة للتصرف بطرق ستعصف بحياته بأكملها, موضحة ان تلك  التصرفات قد تتمثل  في احتساء الخمر، والخيانة الزوجية، وهجر الأسرة، وإحساس الشخص بأن ظروف حياته ما عادت تلائمه، والاهتمام الكبير بالمظهر الخارجي، والإحساس برغبة كبيرة في الحصول على التجارب الجديدة 
والمثيرة. وتشير الدراسات الحديثة  إلى أن أغلب أسباب الحالات التي يحدث فيها الطلاق في مثل هذه السن المتأخرة سواء للزوج أو الزوجة، الذين مضت على زواجهما فترة طويلة، تكون متداخلة ومعقدة، وبالتأكيد فإن هذه الأسباب قد تختلف من حالة طلاق إلى أخرى، ومن المفروض فيها أن تكون العلاقة الزوجية في هذه المرحلة العمرية ناضجة ومتينة ، لكنها بعد فترة قد تتحول إلى ملل مهما أنكر البعض.