الذهاب إلى الجهة الأخرى

قضايا عربية ودولية 2023/04/05
...

علي حسن الفواز

يبدو أنّ متغيرات السياسة الدولية باتت هي الحاكم الفاعل في توجيه القطاعات الأخرى، إذ بدت صورة النظام العالمي الجديد، وهو صورة افتراضية لإدارة السياسة، تستجيب كثيراً لمسار تلك المتغيرات، فلم يعد "الأقوياء القدامى" يملكون الأرض وماعليها، مثلما أن "الأقوياء الجدد" بدأوا أكثر شراسة في الدفاع عن وجودهم السياسي وعن مصالحهم..

مايجري من صراعات مفتوحة حول ملفات الأمن والطاقة والغذاء، وحتى الجغرافيا، كشف عن تصدُّعات عميقة في تداولية مفهومي "القوة والضعف" وفي اخضاع العالم إلى ثنائية التابع والمتبوع، فعديد الدول وجدت في المتغير السياسي الدولي مجالاً  لتجاوز عقدة المحاور، والاستقطابات السياسية، وتبنِّي وجهات نظر متوازنة إزاء تلك الصراعات، والتعاطي مع مشكلاتها الناشئة على أساس واقعية مايجري، وليس بحكم فرضية القوة القديمة..

فماحدث في اجتماعات دول مجموعة العشرين الأخيرة، كشف عن كثير من التناقضات، حدّ أن المؤتمرين لم يتفقوا على بيان ختامي يؤكد وحدة الخيارات، بل ذهب البعض منهم إلى مواجهة الهيمنة بنوع من الخصوصية، دفاعاً عن مصالحها الستراتيجية، كما أن تمرد عدد من الدول على العقوبات الغربية المفروضة على روسيا، يؤكد الطابع التجاوزي لتلك المتغيرات، والحرص على المواجهة بمواقف تتقاطع مع رهابات المحاور القديمة،  وهو ما أكده وزير الخارجية الهندي بالقول: " على أوروبا واميركا أن يتوقفا عن التفكير بعقلية من يتوهّم أن مشكلاتهما هي مشكلات العالم، فمشكلات العالم مختلفة عنهما، وهي لا تعنينا"

هذا التصريح الواضح يفتح خيارا آخر لسياسات أكثر استقلالية، وأفصح جرأة في التعبير عن تلك الخصوصية، وعن سأم بات يستشري بين دول كثيرة بسبب سياسات الغطرسة الغربية، وشراهتها في الاستحواذ، وفي فرض الإرادة، وتحويل العالم إلى "قرية صغيرة" تخضع إلى الروبوت الأميركي، وإلى سياسات تُديرها كارتلات اقتصادية، لكن بمزاج أمني وسياسي، وبحساسية تفترض عداوة الآخر.

توصيف هذه المتغيرات بالواقعية، سيترك أثره على طبيعة مجرى علاقات تلك الدول بالمصالح، والسياسات، وبطبيعة مايحكم القرارات السياسية والاقتصادية الدولية، وبالخيارات التي باتت تقترحها، وبالصداقات التي أنهت فرضية "العدو الدائم" إذ أصبح الأفق مفتوحاً للذهاب إلى الجهة الأخرى.