حسن العاني
لا أحد يعرف متاعب العراقيين غير العراقيين التعبانين مثلهم، فهناك أزمات لها أول وليس لها آخر، من الكهرباء إلى الدولار، ومن القاعدة إلى داعش، ومن السكن إلى التعليم، ومن البطالة إلى المتقاعدين، ومن... إلى.. وتحت هذه المعضلات القديمة والحديثة والمعاصرة، ما عاد العراقي يجد وقتاً صالحاً للنوم، ولهذا عمد إلى (القيلولة) يغفو في أحضانها ساعة أو ساعتين، وما دمت من أبوين عراقيين بالولادة فأنا مثل أبناء وطني، خضعت لواقع الأمر، وأصبحتْ أحلامي وكوابيسي لا تراودني في الليل، لأن ليلي أرقٌ وسهرٌ وتفكير، بل انتقلتْ إلى اغفاءة القيلولة..
كان آخر ما رأيت في ما يرى النائم في (قيلولته) – قبل بضعة شهور مضت – أن رجلاً عملاقاً في طوله وعرضه، يجمع بين صفات متناقضة، فهو سريع الانفعال شديد الغضب، ولكنه يتحلى بأعلى قدر من البساطة والعفو والتسامح، يرتدي زياً شعبياً لا ينتمي إلى محافظة عراقية أو إلى قومية أو ديانة أو مذهب من هذه المسميات العراقية المعروفة لدينا، فقد كان زيه خلطة جميلة من هذه الأزياء كلها، ورأيت الرجل يقف فوق مكان مرتفع كأنه خشبة مسرح أو منصة قضاء أو شرفة قصر، محني الرأس، حزين الملامح، بينما كان يجلس أمامه على كراس وكأنها مصنوعة من الذهب، رجال عددهم على وفق تقديراتي قرابة 5 آلاف، ليس فيهم ولا بينهم من لا تبدو عليه معالم الترف وآثار النعيم و.. وألقى خطاباً مختصراً، تميز بالوضوح والبساطة!. رحب الرجل ترحيباً حاراً بالجالسين امامه بصفتهم المسؤولين عن سياسة البلد وأمنه وحاضره ومستقبله، ثم أثنى على تضحياتهم العظيمة، التي بذلوها من أجل الوطن والمواطنين و... وأخبرهم بأن العراق يمر بمحنة اقتصادية صعبة، وشرح بالتفصيل أسباب المحنة، وفي مقدمتها الفساد المالي والسرقات، الأمر الذي أدى إلى التراجع الذي يقرب من التوقف في تقديم الخدمات، وأنه من غير المستبعد، أن أجور ورواتب العمال والموظفين مهددة بالتوقف، ولهذا خاطبهم بصراحة قائلاً إن "الحل الوحيد والأمثل هو أن تتنازلوا عن رواتبكم ومخصصاتكم لمدة شهرين فقط، وهذا الاجراء البسيط والتنازل الذي لا يؤثر فيكم، ويحسب لكم بألف خير كفيل بإسعاد شعبكم، فمن يوافق على هذا الحل يبقى في القاعة ومن يرفض يغادر المكان رجاء".
قبل انصرام الدقائق الاولى على كلامه لم يبق سوى 16 شخصاً، كان بعضهم مترجرج الموقف بين البقاء والمغادرة، عندما استدعى الرجل العملاق المغادرين طالباً منهم العودة واخبر الجميع "معذرة أيها الأفاضل، أنها مجرد مزحة من مزح الكاميرا الخفية"، وهكذا تنفس الخمسة آلاف الصعداء وشعروا بسعادة غامرة، بينما استيقظت وأنا أضحك بأعلى صوتي بحيث لم أكمل إغفاءه القيلولة!