الحرب وما بعدها

قضايا عربية ودولية 2023/04/06
...

علي حسن الفواز



قد تبدو مؤشرات الصراع الروسي الأوكراني آيلة لمتغيرات كبيرة، لكنها ستظل مغلقة في سياق مفارقاتها السياسيَّة، وفي رهان البعض على حرب الاستنزاف، وإكراه الطرف الآخر على حل سياسي يوازي الحل العسكري، لاسيما أنَّ ذلك الصراع بدأ يدخل في التفاصيل، وهي مأوى الشياطين، كما يقول مثلنا العربي، فبعد قيام روسيا باعتقال الصحفي الأميركي "إيفان غيرشكوفيتش" مراسل وول ستريت جورنال بتهمة التجسس، بات الباب مفتوحاً لاعتقالات أخرى، والتي قد تُستخدم كأوراق ضغط.

اتصال وزير الخارجية الأميركي بلينكن بنظيره الروسي لافروف لا أظنه يخص الدعوة لمعالجة هذا الحدث "الإعلامي" بل تضمن الحديث عن خطورة تلك المتغيرات، وعن تعقيدات ما يجري، وضرورة البحث عن الحلول التي تراعي مصالح الجميع، وبقدر صعوبة ذلك، فإنَّ معطيات الحرب لاسيما بعد التحولات الستراتيجية في مدينة "باخموت"، وتصريح زعيم جماعة فاغنر الروسية بالسيطرة على مقرها الإداري، كشفت عن "الأخطار الساخنة" في الجبهات، وهو ما يعني صدمة أخرى تضاف إلى صدمات الرئيس الأوكراني زيلينسكي الدفاعية، وإلى سياساته التي تبحث عن بيئة واقعية للوثوق بها، وأحسب أنَّ زيارته المرتقبة إلى "بولندا" البلد المجاور، ومنفذه الرئيس التسليحي واللوجستي، تؤكد هذه المعطيات، فهو يبحث عن وسائل إنقاذ عسكرية، وعن تحفيز أكثر جدوى لدول الاتحاد الأوروبي لكي تكون واثقة به، وبحكومته في العمل على التخطيط لـ"الهجوم المضاد" ولتحرير المدن والبلدات التي تسيطر عليها روسيا، والتي ستتضمن إجراءات عسكرية معقدة وصعبة، قد تتناقض مع الإمكانيات العسكرية الأوكرانية، ومع واقعية العمليات العسكرية، لاسيما ما يتعلّق باستعادة جزيرة القرم، والمناطق الأربع التي أعلنت استقلالها في شرق أوكرانيا.

البحث عن الحل السياسي، بات حلاً موارباً، لكنه الأكثر عقلانية، فاستمرار الصراع في جبهاته الساخنة، وفي أسواقه العالمية، وفي انعكاسه على مظاهر التضخم والغلاء والبطالة والهجرة، سيتحول إلى مجال مفتوح لصراعات أكثر بشاعة، وربما لمواجهة إجراءات صادمة، لاسيما بعد رغبة بريطانيا بتزويد الجيش الأوكراني بأسلحة مضادة للدبابات مزودة بـ"اليورانيوم المنضّب" وقيام روسيا بإقامة قواعد للأسلحة النووية في جمهورية بيلاروسيا، وهو ما يعني وضع العالم عند حافة الأصابع التي يمكن أن تضغط على الأزرار النووية.