الصدر.. شريعتي حوارٌ لم يكتمل

الصفحة الاخيرة 2023/04/08
...

جواد علي كسار



كانت بداية القصة عندما وصلت الترجمة الفارسية لمبحث «التشيع والإسلام» أو: «بحث حول الولاية» ليد علي شريعتي، فدوّن ملاحظاته على أفكار الصدر وأطروحته التي كتبها في البدء، مقدّمة لكتاب عبد الله فياض: «تأريخ الشيعة الإمامية وأسلافهم» قبل أن تتحوّل إلى كتيّب مستقل؛ ودفع بها إلى مترجم النص للفارسية الشيخ علي حجتي كرماني، بغية إيصالها إلى السيد الصدر نفسه.

وصلت ملاحظات شريعتي النقدية إلى الصدر عبر المترجم، وقد استفاض في مناقشة نظرية الصدر؛ من أن النبي عاش مع مستقبل دعوته خيارات ثلاثة؛ هي إهمال مستقبل الدعوة، أو التخطيط لها عبر نظام الشورى، وأخيراً الاستخلاف بالوصية إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والنص عليه تحديداً.

بعد إشادات بالجهاز العقلي الرصين للصدر، وبيان قوّة منظومته الفكرية، وأصالة مؤلفاته، تناول شريعتي بالنقد المطوّل رؤية الصدر خاصة ما يرتبط بنظام الشورى، وما ذهب إليه من عدم إعداد النبي للمسلمين، لا سيّما جيل الصحابة لهذا الخيار، مستنداً في رؤيته النقدية إلى مرتكزين؛ يرتبط الأوّل بشخصية الإمام علي وعجز الصحابة جميعاً عن الاقتراب من مقامها وخصائصها وذراها العالية، والثاني ارتكازه إلى التفسير الاجتماعي الطبقي لانقسام مجتمع المدينة بعد النبي بين أقلية التزمت موقف الإمام علي، وأكثرية انصرفت لتأييد خيار السقيفة، ليخلص إلى أن المشكلة تحوّلت إلى صراعات سياسية، نشأت عن ذلك الاختلاف الطبقي وانحيازاته الاجتماعية.

ما إن وصل نقد شريعتي إلى الصدر في النجف الأشرف، حتى بادر من فوره للجواب بكتابة ردّ تفصيلي على ملاحظات شريعتي، ألح على أن يدرجا معاً في طبعة جديدة. لكن ما حصل أن إرادة تلامذة الصدر في إيران، مالت إلى عدم نشر جواب الصدر، لأنه برأيهم يضرّ بسمعة الصدر، ويصبّ لصالح شريعتي في المعركة التي كانت محتدمة ضدّه يومذاك، فاستجاب الصدر خلافاً لرغبته.  بمتابعة ملف القضية والرسائل التي تبادلها الصدر مع تلامذته في إيران، نكتشف رغبة كبيرة للصدر في محاورة شريعتي فكرياً ونقدياً، وأنه كان شديد الإشادة بلغة شريعتي المؤثّرة وأسلوبه العصري وجهازه الفكري، وقد كان يقول عنه بأنه «رجل فاهم» لكن لديه: «اشتباهات».. والأهم من ذلك أن الصدر لم يتفاعل قطّ مع تلك التهم التي كانت ترمي شريعتي في إيران بالضلالة، وتتهمه بالوهابية وما شابه، وكان يفسّر الظاهرة على أساس عجز الخطاب الديني التقليدي عن مخاطبة الشباب الإيراني، والنجاح الباهر لشريعتي في هذا المجال، من دون أن يخلو من نقد لبعض جوانب تفكيره.  والأروع من ذلك كله أنه أخذ من محنته مع متهميه في النجف الأشرف شاخصاً للدفاع عن شريعتي في إيران وما كان يثار ضدّه، مطالباً بالدليل وبنصوص موثقة من مؤلفات شريعتي لكي يقتنع، ومن المؤلم أن الفكر الإسلامي خسر جولة متألقة كان يمكن أن يشرق بها الحوار بين شريعتي والصدر!