انتخابات اتحاد الأدباء

ثقافة شعبية 2019/04/17
...

عالية طالب
 
الشريحة الوحيدة التي قد لا تستخدم وسائل الترويج الانتخابي المتعارف عليه، ولا تعتلي المنصات لشرح فضائل وجودها في حالة الفوز، ولا يهزج لها جمع بخطابات صاخبة، ولا تستخدم المال “العام والخاص” لتحقيق فوزها، ولا تمتلئ الشوارع والجدران بصور مرشحيها، ولا تقف وراء ظهورهم أحزابٌ وكتلٌ وأموالٌ وأجندات وأشخاصٌ ودولٌ ومنظمات ومشاريع لفوزهم. إنهم بكل بساطة يكتفون بأسمائهم وهي وحدها من تحقق لهم الفوز من عدمه.
منذ العام 1959 مروراً بالعام 1971 وقت صدور قانون اتحاد الأدباء برقم 80 وصولاً الى وقتنا الحاضر، والأدباء يقيمون انتخاباتهم كل سنتين لاختيار من يتصدى للعمل المهني والإداري لتقديم الأفضل للأدباء، ومعروفٌ إنَّ العمل تطوعي لا امتيازات مالية ولا مناصب ولا نفعيَّة، بل إنَّ أغلب الأدباء ينفقون أموالهم الخاصة للتواصل مع الأنشطة الثقافية ونشر إصداراتهم والمشاركة في المهرجانات والمؤتمرات داخل وخارج العراق، يفعلون كل هذا بلا منة ولا شكوى، فالهدفُ الثقافي والأدبي أقوى من أية منفعة ماديَّة زائلة، مواردهم المحدودة لا تحد خطواتهم ولا يفكرون بالبحث عن مصادر تمويل مالي بقدر انشغالهم بالبحث عن تقديم المميز لعقولهم ولمتابعيهم ولأنشطتهم وجلساتهم.
قيل عنهم الكثير ما بين السلب والإيجاب، وغالباً ما تعرضوا لهجمات وانتقادات وشتائم وانتهاكات لخصوصياتهم، ونادراً ما صمتَ الإعلام عن متابعة ما يفعلون، ودائماً هناك من هو متهمٌ بينهم بكثير مما ليس فيه، وعادة ما تصيبُ السهام الأديبات بحصة أوفر من حصة الأديب، لأسبابٍ تتعلقُ بوعي الشريحة والمجتمع، وأيضاً بفهم ماذا تعني “حرية الكتابة” في الأماكن الوعرة.. لا أحد يهتمُ لهم ويعملون في معزلٍ عن نوايا واهتمامات الدولة، يؤرشفون لبعضهم ولأنفسهم وتمتلئ بيوتهم بكتبٍ يحرصون على شرائها حتى لو اقتطعوا ما يديم حياتهم من متطلبات، يقفون في طوابير تؤمن بعدم انتظار “غودو” فهم أقوى وأشد صلابة ممن يحاول تفريغ محتوى عقولهم ليسقط في انعدام الجدوى.
تتعاقبُ الحكومات والأنظمة السياسيَّة وأشكال الحكم فيها، وهناك من يؤمنُ منهم بالعمل السياسي فيثقل مشروعه الثقافي بالهم السياسي لكنه لا يروج لمعتقده السياسي في مشروعه الثقافي ويبقى التداخل في الأمكنة والأزمنة والتحزب والحياد والاستقلال والاعتقاد ونبذ التطرف والإقصاء، متوافراً في كل ما ينتجون فتمتزج الأحزاب في كتاباتهم ومناهجها حتى لا يكاد المتلقي يعرف ما خلفية مرسلها، فهم لا يصدرون خطاباً تحريضياً ولا يروجون لمشاريع غير ثقافية ولا يقبلون إلا بالإبداع مرتكزاً.
تقتربُ انتخاباتهم ويشعرون بأنَّ الترويج لأسمائهم لا ينبغي أن يصدر عنهم بعكس كل السياسيين، فهناك في خارطة المعرفة من يجيد فهم دواخلهم الإبداعيَّة ومدى تضحياتهم التي دفع بعضهم روحه ثمنا لها وما تردد من يعرف الطريق نفسها بأنَّ عليه أنْ يكمل الإيمان والتضحية التي حملها من اغتيل منهم.
إنهم ببساطة يحملون صفة خشي منها غوبلز (وزير الدعاية الألماني أيام هتلر) وهو يقول: “كلما سمعت كلمة ثقافة تحسست مسدسي”.