ما وراء الصورة

ثقافة 2019/04/17
...

نزار شهيد الفدعم 
 
 
ما وراء الصورة، الكتاب الخامس والعشرون للكاتب والسيناريست والناقد السينمائي د.وليد سيف، الصادر عن وزارة الثقافة المصرية/ صندوق التنمية الثقافي المهرجان القومي للسينما المصرية. الكتاب هو رسالة حب لعاشق التصوير الفنان محمود عبد السميع مدير التصوير السينمائي المصري الذي صور العديد من الأفلام الروائية والوثائقية منها “العوامة 70” للمخرج خيري بشارة، وفيلم “الجوع” للمخرج علي بدرخان، وفيلم “الاحتياط واجب” للمخرج أحمد فؤاد درويش، و”الزمار” للمخرج عاطف الطيب، وفيلم “التعويذة” للمخرج محمد شبل، و”الصعاليك” للمخرج داود عبد السيد، وفيلم “الامبراطور” للمخرج طارق العريان، و”علاقات مشبوهة” للمخرج عادل الاعصر، و”للحب قصة أخيرة” للمخرج رأفت الميهي، والعديد من الأفلام الروائية التي لا مجال لحصرها والتي تجاوز عددها الـ30 فيلما، بجانب أكثر من 350 فيلماً وثائقيا والعشرات من الجوائز الفنيَّة والتكريمات.
الكتاب ينحو منحى السيرة الذاتية والتحليل الفني على ضوء النتائج الفنية والتجربة العملية التي خاضها الفنان محمود عبد السميع من أجل الارتقاء بفن التصوير السينمائي نحو درجة الخلق والإبداع من خلال الدراسة المعمقة والتجربة المقترنة بالملاحظة لدرجات الضوء ومساقطه ومحاولة الاعتماد دائماً على الإضاءة الطبيعية في إنارة موقع التصوير أو تقديم مقاربة صناعية لها مستفيداً من تجربته الطويلة في صناعة الأفلام الوثائقية مصورا” ومدير تصوير.
يكتب د. وليد سيف عن هذا في كتابه “محمود عبد السميع ما وراء الصورة”: (استفاد محمود من هذه التجربة كثيراً في العمل لاحقاً، إذ اضطرته الظروف للعمل بأقل أو بدون إمكانيات غير كاميرا وفيلم، فصور مشهداً في مستشفى استطاع أنْ يستعين فيه فقط بضوء المصباح، وفي أحد المشاهد استخدم ضوء المصابيح وضوء السيارات فوظف النور النابع من السيارة مع حركتها ليستطيع أنْ يضيء مناطق معينة بأسلوب معين مع حركة الضوء).
ويتذكر الكاتب وليد سيف أول لقاء به: “حين التقيته بوصفه رئيساً للجنة الإنتاج في جمعية الفيلم في منتصف الثمانينيات وحين كنت أنا في بداية بدايات طريقي في عالم السينما أتقدم بأول سيناريو لي لإنتاجه باللجنة، وحينها تعرفت على شخصيته المميزة التي تجمع بين التواضع والمرح من جانب والجدية والحرص على العطاء والإنجاز من جانب آخر، وتكررت اللقاءات وتوثقت المعرفة عبر مراحل مختلفة من حياتي حين احترفت الكتابة السينمائية والنقدية أو حين انضممت لمجلس إدارة جمعية الفيلم وهو رئيسها أو حين توليت إدارة مهرجانها تحت رئاسته أو حين لم يبخل علي بالنصيحة والمشورة في كل منصب توليته لاحقاً”.
من هذه العلاقة الممتدة إلى أكثر من ثلاثين عاماً ولد كتاب (محمود عبد السميع ما وراء الصورة) الذي كتبه د. وليد سيف بنفس واحد يعطيك الإحساس بأنَّ الكتاب بصفحاته الخمسين كُتِبَ بجملة واحدة لأنك لا تستطيع أنْ تتركه من دون أنْ تكمل قراءته دفعة “واحدة”، هو خليط من السيرة الذاتية المكتوبة بعض الأحيان بصيغة الراوي وفي أحيانٍ أخرى بصيغة الآخر خصوصا “أنَّ الكاتب قدم لنا صورة قلمية رائعة عن طفولة الكاتب وصباه وتعلقه بفن التصوير ولو لم نكن نعرف محمود عبد السميع كنا تصورنا أنَّ هذه السيرة وبهذه المرحلة من خلق وحي الكاتب أو أنَّ الكاتب خُلِقَ حتى يكتب هذه السيرة المفعمة بالتفاصيل والاحداث المترابطة والمتناغمة”.
سوف يبقى د. وليد سيف يرصد نمو وتطور تجربة محمود عبد السميع عبر خطين متوازيين، الأول دراسته النظرية والتطبيقية التي كانت ترفد المصور الفنان بمزيد من الحلول الضوئية الجمالية الاقتصادية أثناء تصوير أفلامه، والثاني “سعة وعمق تجربته الفيلمية التي تزداد مع ازدياد مسؤوليته كمدير تصوير مبدع خلاق غير تقليدي وفي هذه الناحية أضاء لنا جوانب مشرقة تحليلية عن مراحل محمود عبد السميع الفنان وعن أهم أفلامه التي ترك فيها بصمة واضحة مثل “العوام 70” للمخرج خيري بشارة و”الصعاليك”، وفيلم “آخر الرجال المحترمين” للمخرج سمير سيف، وفيلم “الجوع” للمخرج علي بدرخان، وفيلم “للحب قصة أخيرة” للمخرج رأفت الميهي، وفيلم “التعويذة” للمخرج محمد شبل، والعديد من الأفلام التي صنعها مع أهم المخرجين في السينما المصرية مثل المخرج عاطف الطيب والمخرج نادر جلال، المخرجة إنعام محمد علي وطارق العريان، إضافة الى المخرجين السابقين الذين أشرنا إليهم.
تجربته في السينما الوثائقيَّة منحته الكثير من الحرية في الحركة والتحكم في الكادر السينمائي ومحاولة التجريب وملاحقة الحدث والزمن والإمساك به قبل زواله ومنحته ثقة بالنفس بصنع لقطات طويلة “هاند كاميرا” لم يسبقه أحدٌ من قبله إليها في أفلامه التي صورها مثل “طبيب في الأرياف” أو “صائد الدبابات” للمخرج خيري بشارةـ إضافة إلى السيطرة على مصادر الإضاءة.. وسوف نرى كل ذلك في ما بعد في أعماله الروائيَّة.
يقول د. وليد سيف: “في أثناء عمله مصوراً كان المخرجون يفاجؤون بأنه يكمل شرحهم لكل مشهد قبل أن يستكملوه ويرجع هذا إلى تركيزه الشديد في السيناريو والمشهد والأغراض الدرامية منه والإيحاءات الفكرية والنفسية التي يتضمنها”.