بغداد: نوارة محمد
من "الموبايل" تنبثق صورة "السمكة المسكوفة " و "طبق اللحم المشوي" موجهة دعوة إلى الأصدقاء المقربين وغير المقربين، وتحت شعار تفضلوا عبر خاصية "الستوري" في تطبيقي "فيس بوك وانستغرام" صرنا نشهد الكثير من الولائم والموائد العامرة بالحلويات وكل أنواع الاحتفالات.
تزداد حدة هذه السلوكيات يوماً بعد يوم وهي ترتبط بموجة وصفت بـ "هوس الظهور" لكنها في المناسبات والعزائم التي تتعدد فيها أصناف الأطباق تُعبر عن الترحيب المفرط بالضيوف وتعد جزءاً من الوجاهة الاجتماعية.
عراقياً تتفاقم ظاهرة أشد خطورة وهي الإسراف في الأكل والإفراط بتقديمه في المطاعم وبأسعار باهظة لا لشيء سوى حب المظاهر والاعتبارات التفخيمية، واشباعاً لروح الزبون في التباهي والمبالغة في تقديم الطعام.
الأمر برمته يرتبط بالتغيير الطبقي والانقلاب الاجتماعي الذي شهده عراق ما بعد 2003، إذ سرعان ما ظهرت طبقة واسعة تتنعم بالغنى السريع بعد سنوات طويلة من الفقر والعوز. إنه جوع أزلي لن يسده خروف مشوي يقدم لشخصين ولا مائدة بخمسة أمتار لأربعة أفراد.
عن هذا يقول الناقد علي حداد لـ "الصباح": يبدو أن الإسراف في الطعام وتعدد الأصناف والوجبات حالة ارتبطت بنوع من التعويض النفسي لاسيما بعد سنوات طويلة مع الحرمان. ويبدو أيضاً أن انتشار المطاعم بشكل لافت في بغداد وباقي المحافظات أدى إلى توسع هذه الظاهرة التي هي مشينة وتدل على الإسراف وتضر باقتصاد البلد.
وبحسب المدير العام لدائرة المرافق السياحية تشكل المطاعم ما نسبته 65 بالمئة من المنشآت السياحية، ويؤدي هذا إلى زيادة الاستهلاك الغذائي، كما أن الافتقار إلى أماكن الترفيه مارس دوره في زيادة ولع الجلوس في المطاعم والمقاهي لساعات طويلة لدى العراقيين، إذ يعدُ أحد أشكال الترفيه النفسي.
أحمد هادي الذي تخرج في كلية القانون يقول "نعاني من نقص في أماكن الترفيه، لا سيما مع التشديد على منع دخول الشباب إلى الكثير من الأماكن تبعاً لأوامر أصحاب القرار".
ترتبط ظاهرة ارتياد المطاعم والإسراف الوحشي بالأكل بهوس التصوير والظهور المقزز المصاحب كنوع من التفاخر، الأمر الذي أتاحه العالم الرقمي والذي أدى بدوره إلى منع التصوير في بعض مطاعم العالم، إذ نشرت صحيفة نيويورك تايمز أن بعض المطاعم تمنع التصوير، ومطعم السوشي الياباني رفع شعار "إن الطريقة الوحيدة المؤكدة للاستمتاع بسوشي جيرو هي التركيز على تناول الطعام، والاكتفاء بالتقاط صورة تذكارية عند المدخل."
نتساءل هل ينتهي الجوع النفسي الشديد لدى البعض من الناس وتمنع المطاعم في العراق تصوير طاولاتها أم إنها ستعمل على زيادة خاصية الافتراس عند الكثير من الأغنياء الجدد ونرى بقرة مطروحة على الرز في صينية خرافية الحجم.