حريق كاتدرائية {نوتردام}.. ليلة سوداء على نهر السين
قضايا عربية ودولية
2019/04/17
+A
-A
باريس / وكالات
عاشت باريس ليلة سوداء شابتها ألسنة نيران حمراء وبرتقالية وسحب دخان قاتمة جراء الحريق المروع الذي التهم كاتدرائية نوتردام التاريخية وسط صدمة عارمة اجتاحت فرنسا والعالم.
وبعد أن تم إخماد النيران بدأ يتضح حجم الكارثة في الكاتدرائية التي تعد أحد أشهر المعالم التاريخية والدينية في باريس.
ودمر الحريق سقف الكاتدرائية، بينما نجح رجال الإطفاء في إنقاذ برجي الجرس الرئيسين والجدران الخارجية من الانهيار، قبل السيطرة على الحريق وجرى انقاذ كل الكنوز والاثار الثمينة من الاحتراق على رأسهم اكليل الشوك للسيد المسيح "عليه السلام".
اذ أعلن رئيس كاتدرائية نوتردام، باتريك شوفيت، إنقاذ "إكليل الشوك" من الحريق الذي شب داخل الكاتدرائية، وأدى إلى احتراقها وانهيار أحد أبراجها وسقفها.
ووفقا لصحيفة "ديلي ستار"، كانت هناك مخاوف كبيرة من فقدان بعض الآثار المهمة داخل الكاتدرائية، إلا أن خزانة الكاتدرائية تم إنقاذها بالكامل وما بداخلها من كنوز.
إكليل الشوك، هو تاج صنعه الجنود الرومان من الشوك ووضعوه على رأس السيد المسيح، خلال تعذيبهم له وصلبه حسب الصحيفة.
ويعد "إكليل الشوك" من أهم الآثار المسيحية عبر التاريخ البشري.
وتاج الشوك الموجود بالكاتدرائية حاليا عبارة عن حلقة مجمعة من مجموعة قصب وتوجد الأشواك في دائرة مصممة من الذهب يبلغ قطرها 21 سم، وقسمت الأشواك على يد الأباطرة البيزنطيين وملوك فرنسا، بعد نقله من القدس للقسطنطينية عام 1063 وإهدائها إلى ملوك أوروبا.
من جانبه قال بطريرك الكاتدرائية، باتريك جاكين: إنه تم إنقاذ تاج وسترة سانت لويس، التي يعتقد أنها تنتمي إلى الملك لويس التاسع في القرن الثاني عشر، وأكد غاليه أنه "تم نقل أغلى الأعمال من داخل الكنيسة إلى مكان آمن".
في السياق نفسه أكدت السلطات الفرنسية أن أرغن كاتدرائية نوتردام نجا من الحريق المدمر، وأعلن نائب عمدة باريس، إيمانويل غريغوار، لقناة "BFMTV" أن الأرغن الذي يعد من أكبر وأشهر الآلات الموسيقية من نوعه في العالم، لم يتضرر جراء الحريق.
وذكر المسؤول أن السلطات تمكنت من تطبيق خطة "حماية ثروات نوتردام" بصورة سريعة وفعالة، مبديا سروره إزاء إنقاذ القطع الاثرية الثمينة.
وقد بنى إحدى آلات الأورغن المبكرة في كنيسة نوتردام، فريدريك شامبانتس، عام 1403، وبني محله أورغن جديد بين أعوام 1730 و1738، على يد صانع الأورغن، فرانسوا تيري، سليل عائلة فرنسية شهيرة بصناعة آلات الأورغن. وأثناء الترميمات التي جرت في الكنيسة في القرن الـ 19، بنى أريستيد كافالييه - كول، آلة أورغن جديدة مستخدما الأنابيب من الآلات القديمة، وانتهى من بنائه عام 1868.
وعدّل هذه الآلة الثمينة شارل موتين في عام 1904، وتحول الأورغن إلى استخدام المنفاخ الكهربائي عام 1924، وتم ترميمه بالكامل بواسطة جوزيف بيكيت عام 1932. وبين عامي 1959 و1963، استبدل جان هيرمان النظام الميكانيكي في الأورغن بالنظام الكهربائي، ووضع له هيكلا جديدا.
ومن جديد، تم ترميم الأورغن مرة أخرى عامي 1968، و1975، ثم تم تجديده في أعوام 1990-1992، قبل إعادة تنظيفه وتجديده في أعوام 2012-2014.
قصة إخماد اللهب
بدورها أعلنت فرق الإطفاء في باريس "السيطرة" على حريق كاتدرائية نوتردام و"إخماده تماما"، بعد ليلة طويلة، تمكن من خلالها من "إنقاذ الهيكل الرئيس" للكاتدرائية التاريخية في وسط باريس التي اندلع فيها حريق ضخم.
وأعلن وزير الدولة بوزارة الداخلية الفرنسية لوران نونيز، أن سبب الحريق الذي التهم الكاتدرائية لا يزال غير معلوم، وإن السلطات تواصل تحقيقاتها لمعرفة كيف اندلع الحريق.
وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قال إنّ "الأسوأ تم تجنّبه" في الحريق الذي أدّى إلى انهيار برج الكاتدرائية وسقفها، واعداً بإعادة بناء المعلم التاريخي الذي سبّب احتراقه صدمة وحزناً في العالم أجمع، وذلك لدى تفقّده الكاتدرائية في وسط العاصمة.
واندلع الحريق الضخم الذي لم تعرف أسبابه قبيل الساعة السابعة مساء في الكاتدرائية الباريسية التاريخية، وقد أدّت النيران إلى انهيار برج الكاتدرائية القوطية التي شيدت بين القرنين الثاني عشر والرابع عشر والبالغ ارتفاعه 93 مترا، وسقفها.
وشارك نحو 400 إطفائي في مكافحة النيران ومحاولة إنقاذ برجيها الأماميين، وهو ما تمكنوا من تحقيقه قبيل منتصف الليل.
وأفادت فرق الإطفاء إن الحريق "مرتبط على الأرجح" بورشة الترميم التي تشهدها الكاتدرائية، علما بأنه اندلع قبل بضعة أيام من احتفال المسيحيين الكاثوليك بعيد الفصح.
واستمرت النيران مشتعلة في كاتدرائية نوتردام التاريخية نحو 5 ساعات، قبل أن يتمكن رجال الإطفاء من السيطرة عليها، تحت أنظار آلاف الفرنسيين والسياح الذين تجمعوا وهم يراقبون المشهد بحزن شديد.
وبدأت النيران أولا في سقف الكاتدرائية، التي تم تشييدها قبل 855 عاما، وتخضع منذ العام الماضي لعملية إعادة ترميم، قبل أن تنتقل إلى أحد أبراجها الذي تهاوى بفعل النيران الضخمة، وفق ما ذكرت صحيفة "التايمز" البريطانية.
وأكد خبراء أن عوارض السقف الخشبية في الكاتدرائية، التي تعود إلى قرون من الزمان، اسهمت بشكل كبير في اتساع رقعة الحريق في وقت قصير، وهو ما صعب مهمة رجال الإطفاء.
وأدى اندلاع الحريق في السقف إلى تعقيد مهمة رجال الإطفاء في الوصول إلى مصدره، إذ إن أحجار القرميد التي تعتلي العوارض الخشبية تحجز الحرارة والدخان في الداخل، في وقت كانت تعمل خراطيم المياه من الخارج.
ونقلت شبكة "سي إن إن" عن جريغ فافر، رجل الاطفاء السابق في إدارة مكافحة الحرائق في سانت لويس في الولايات المتحدة، قوله: "كان واضحا جدا في أول 20 دقيقة أنه سيكون حريقا سيئا".
كما شكل علو سقف الكاتدرائية تحديا لرجال الإطفاء، حيث إن هذا الارتفاع يزيد من كمية الأوكسجين التي تشعل اللهب، فضلا عن ذلك فإن ارتفاع السقف عقد على الأرجح الجهود للوصول إلى النيران في الأعلى.
وقال جلين كوربيت، الأستاذ المساعد لعلوم الإطفاء بكلية جون جاي للعدالة الجنائية في نيويورك: إن فكرة إخماد الحريق من الجو تحتاج إلى بعض الوقت لتنفيذها، مما زاد من ألسنة اللهب.
وأرجع كوربيت استبعاد استخدام المروحيات في إطفاء الحريق، إلى أنه لا يمكن لطائرة هليوكوبتر الاقتراب من الهواء الساخن المتصاعد من ألسنة اللهب.
وقالت وكالة الأمن المدني الفرنسية: إن أي إلقاء للمياه من الجو لإخماد الحريق يمكن أن تضعف هيكل الكاتدرائية، ويؤدي إلى أضرار جانبية للمباني في المنطقة المجاورة.
بدورها أوضحت صحيفة "لوموند" الفرنسية، بالقول: "تطلق طائرات (كنداير) نحو 6 أطنان من المياه بسرعة عالية باتجاه الأرض: يكمن الخطر الكبير في إصابة شخص أو أكثر حول المبنى، لذا فإن هذا النوع من التدخلات نادر جدا في المناطق الحضرية وشبه الحضرية. مثل هذا التدخل يمكن أن يدمر بشكل كبير الهيكل الأساس للكاتدرائية".
كما أشارت التقارير إلى أن الطيار سيكون مسؤولا جنائيا عن عواقب إسقاط المياه على كاتدرائية نوتردام، وفقا لـ "ميرور ".
المعجزة
الى ذلك تناقلت وسائل الاعلام اهوال الحريق الذي نشب في اعرق كاتدرائية في العالم فقد نقلت صحيفة "ميرور" البريطانية صورة الصليب الذي يعلو المذبح في كاتدرائية نوتردام.
إذ بينما أتى الحريق على الكثير من أجزاء الكنيسة، ومن بينها البرج المدبب الشهير الذي يعلوها، فقد لوحظ أن الصليب فوق المذبح ظل سليما وصامدا ولم يتأثر، بينما بدأ السواد ظاهرا في الجدران حوله وكذلك في المنطقة المجاورة له، حيث احترقت المقاعد الخشبية والسقف الخشبي تحته وفوقه، كما تبين الصورة.
وظهر الصليب في وسط الصورة كأنه معلق في الهواء وسط السواد والدخان المتصاعد جراء الحريق، ومع سقوط أشعة الشمس عليه، بدا الصليب وكأنه يشع نورا فيما يتصاعد الدخان من حوله، وكأن معجزة "إلهية" حمته من الحريق، وفقا لصحيفة نيويورك بوست الأميركية.
وتحدث كثير من المغردين على صفحات موقع تويتر عما سموه "المعجزة" التي أبقت على المذبح والصليب سليما، رغم الحريق الهائل والحرارة الناجمة عنه والأضرار الكبيرة التي لحقت بالكاتدرائية.
وعلق كثيرون غيرهم على هذه "المعجزة"، وقالوا إنها تمنحهم الأمل بأنه رغم الخسائر الكبيرة فإنه بقي جزء كبير من الكاتدرائية من دون أضرار.
إذ قال أحدهم: "مازال الأمر مثيرا للأسى.. لكن هذه الصورة تمنحني الأمل بأن هذا التاريخ العريق لم يضع بالكامل كما يبدو."
ترميم متأخر
وبشأن ترميم ما افسدته النيران حذر الخبراء منذ سنوات عدة، من أن الكاتدرائية في حالة سيئة، وتحتاج الى الترميم، في وقت لم تتمكن فيه الدولة من تمويل أعمال التجديد في العقود الأخيرة.
ونقلت صحيفة "التايمز" البريطانية عن خبراء قولهم: إن المبنى يحتاج إلى ترميم بقيمة 150 مليون يورو، لكن الدولة عرضت فقط 40 مليون يورو. وكانت الكاتدرائية تبحث عن تبرعات لتغطية بقية التكاليف.
وذكرت الصحيفة أن الحديقة المحيطة بالكاتدرائية كانت العام الماضي مليئة بأكوام الحجارة التي سقطت منها خلال السنوات الأخيرة، فضلا عن تهالك السلالم والكثير من الجدران.
وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي سارع إلى مكان الحريق: إن حملة دولية لجمع الأموال من أجل ترميم الكاتدرائية "بدأت " ووعد "بدعوة أعظم المواهب" من أجل إعادتها إلى ما كانت عليه .
حزن عالمي
الى ذلك تلقى العالم صدمة الحريق كصاعقة خطفتهم خاصة مع تصاعد السنة اللهب التي حولت الكنيسة الى لهب مشتعل وصفت الكنيسة الأرثوذكسية الروسية حريق كاتدرائية نوتردام التاريخية في باريس بأنه مأساة بالنسبة للعالم المسيحي بأسره.
وقال سكرتير قسم العلاقات الخارجية للكنيسة الأرثوذكسية الروسية لشؤون العلاقات مع الكنائس المسيحية القس ستيفان إيغومنوف لوكالة "نوفوستي" إن "الكنيسة الأرثوذكسية تلقت بحزن بالغ الأنباء عن الحريق في كاتدرائية نوتردام في باريس".
وتابع: "هذه مأساة بالنسبة للعالم المسيحي بأسره ولجميع من يقدرون الأهمية الثقافية لهذه الكنيسة".
وكتب الأمين العام للأمم المتحدة في تغريدة على "تويتر": "أصبت بصدمة من رؤية الصور من باريس، حيث التهمت النيران كاتدرائية نوتردام"، مضيفا أن "أفكاره مع الشعب والحكومة الفرنسيين".
كما اعربت مصر عن حزنها لاحتراق الكاتدرائية .
وغرد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قائلا: "تلقيت بحزن بالغ نبأ حريق البرج التاريخي بكنيسة نوتردام.. فقدان ذلك الأثر الإنسانى العظيم خسارة فادحة لكل البشرية.. متمنيا تدارك آثار هذه اللحظة الإنسانية بالغة التأثير بأسرع ما يُمكن"، خاصة لما يمثله هذا الصرح العريق من قيمة حضارية وتاريخية لفرنسا وكجزء من التراث العالمي".
من جانبه أعرب شيخ الأزهر أحمد الطيب عن تضامنه مع الشعب الفرنسي،
وكتب شيخ الأزهز في تغريدة على "تويتر"، أنه يشعر بالحزن لاحتراق كاتدرائية "نوتردام"، ووصف الكاتدرائية بـ"التحفة المعمارية التاريخية".
وأضاف: "قلوبنا مع إخواننا في فرنسا، لهم منا كل الدعم".
أما الرئيس الأميركي دونالد ترامب، فكان أول من أبدى رد فعله على الحادث عبر حسابه على "تويتر".
وفي وقت لاحق من مساء امس كتب ترامب أنه اتصل بممثلي السلطات الفرنسية. وقال: "هذا مفزع هي جزء من ثقافتنا وحياتنا"، مشيرا إلى أن هذه الكاتدرائية لا مثيل لها في العالم.
كما أعرب الفاتيكان عن صدمته إزاء الحادث. وقال المتحدث باسم الحبر الأعظم: إن "الفاتيكان يشعر بحزن عميق، ويعبر عن تضامنه مع كاثوليك فرنسا ويصلي من أجل رجال الإطفاء الذين يبذلون قصارى جهودهم".
وصدرت ردود فعل مماثلة عن عدد من الزعماء الأوروبيين. وقالت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي: "أفكاري مع الشعب الفرنسي ومع هيئات الإغاثة التي حاربت هذا الحريق المروع في كاتدرائية نوتردام".
كما قال المتحدث باسم المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل: "أفكارنا مع أصدقائنا الفرنسيين"، ووصف كاتدرائية نوتردام بـ "رمز فرنسا وثقافتنا الأوروبية".
فيما أعرب وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، عن أسفه لتدمير جزء من كاتدرائية نوتردام التاريخية العريقة في باريس إثر حريق ضخم اندلع فيها.
وكتب ظريف عبر "تويتر": "لقد شعرت بالحزن عندما هدم جزء من الكاتدرائية أشهر الصروح الدينية المكرسة لعبادة الله الواحد، والمبنى الذي قرب بيننا جميعا من خلال رائعة هوغو الأدبية (أحدب نوتردام) بعد 800 عام من الوقوف صامدا خلال الحروب والثورة الفرنسية. قلوبنا مع فرنسا وجميع الكاثوليك".
كاتدرائية نوتردام
الكاتدرائية الكاثوليكية التاريخية "نوتردام" تعد أحد رموز العاصمة الفرنسية باريس ومن أبرز معالم المدينة.
وتقع الكاتدرائية في قلب باريس، حيث بنيت على جزيرة وسط نهر السين، ضمن الدائرة الرابعة في باريس.
وبنيت في مكان أول كنيسة في تاريخ باريس، وهي "بازيليك القديس استيفان"، والتي بينت بدورها على أنقاض معبد جوبيتير الغالو - روماني، إله السماء والبرق في المعتقدات الرومانية.
ويعود تاريخ إنشاء الكاتدرائية، التي تمثل تحفة الفن والعمارة القوطية، إلى القرون الوسطى. وبنيت بمبادرة أسقف باريس السابق، موريس دي سولي، في فترة 1163 - 1345.
واكتسبت الكاتدرائية شهرتها العالمية التي ساعدت على إنقاذها من الدمار، بفضل رواية "أحدب نوتردام" من تأليف الكاتب فيكتور هوغو نشرت في العام 1831. وتعود أحداث الرواية إلى القرن الـ15، ودارت الأجزاء الأكثر أهمية منها في كاتدرائية نوتردام.
وطوال قرون عدة بقيت هذه الكاتدرائية المهيبة والجميلة "قلب" العاصمة الفرنسية النابض، ومثلت جزءا مهما من حياة باريس وفرنسا بأكملها. ووقعت فيها مراسم ملكية وإمبراطورية وحفلات زفاف ملكي وجنازات وطنية.
وفي العهد الحاضر، تجذب كاترائية "نوتردام" المحاطة بهالة من السحر والأساطير والأسرار والقصص العجيبة، الملايين من الزوار والسياح، بهندستها المعمارية المميزة، وتستقبل أكثر من 13 مليون شخص سنويا.
وأدرجت منظمة "اليونيسكو" كاتدرائية نوتردام ضمن قائمتها للتراث العالمي في العام 1991.
والضرر الذي ألحقه الحريق الذي التهم أجزاء من الكنيسة العريقة متسببا بانهيار برجها الفريد وسقفها، هو الأكبر من نوعه بالنسبة لها في التاريخ المعاصر.